تَامًّا، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، فَآثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» . (تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ) ، أَيِ: الشَّاكِرِينَ (بِنِصْفِ يَوْمٍ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُقَرَاءِ هُمُ الصَّالِحُونَ الصَّابِرُونَ، وَبِالْأَغْنِيَاءِ الصَّالِحُونَ الشَّاكِرُونَ الْمُؤَدُّونَ حُقُوقَ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ تَحْصِيلِهَا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَتَوَقَّفُونَ فِي الْعَرَصَاتِ لِلْحِسَابِ مِنْ أَيْنَ حَصَّلُوا الْمَالَ؟ وَفَى أَيْنَ صَرَفُوهُ فِي الْمَآلِ؟ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَظَّ الْفُقَرَاءِ فِي الْقِيَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَظِّ الْأَغْنِيَاءِ ; لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا لَذَّةً وَرَاحَةً فِي الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ حَالُهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَعْلَى وَأَغْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «أَجْوَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْبَعُكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ) وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ (وَذَلِكَ) ، أَيْ: نِصْفُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧] وَلَعَلَّ هَذَا الْمِقْدَارَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُخَفَّفُ عَلَى بَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخَوَاصِّ كَوَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ مِقْدَارِ سَاعَةٍ، وَوَرَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤] أَنَّ غَايَةَ مَا يَطُولُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الزَّوَالِ وَهُوَ نِصْفُ يَوْمٍ مِنْ أَيْامِ الْآخِرَةِ الْمُعَادِلِ لِأَلْفِ سَنَةٍ، الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: ٤] فَمَخْصُوصٌ بِالْكَافِرِينَ، فَهُوَ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute