٢٢٠١ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٢٢٠١ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَمْ يَفْقَهْ) ، أَيْ: لَمْ يَفْهَمْ فَهْمًا تَامًّا (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) ، أَيْ: خَتَمَهُ (فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) ، أَيْ لَيَالٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مِنَ الْأَيْامِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّدَبُّرِ لَهُ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ بِسَبَبِ الْعَجَلَةِ وَالْمَلَالَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَمْ يَفْهَمْ ظَاهِرَ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا فَهْمُ دَقَائِقِهِ فَلَا تَفِي الْأَعْمَارُ بِأَسْرَارِ أَقَلِّ أَيْةٍ بَلْ كَلِمَةٍ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْفَهْمِ لَا نَفْيَ الثَّوَابِ، ثُمَّ يَتَفَاوَتُ الْفَهْمُ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَفْهَامِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا الثَّوَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ فَهُوَ حَاصِلٌ لِمَنْ فَهِمَ وَلِمَنْ لَمْ يَفْهَمْ بِالْكُلِّيَّةِ لِلتَّعَبُّدِ بِلَفْظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَذْكَارِ فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ فَهِمَ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ نَفْيَ الثَّوَابِ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ مِنْ حَدِيثٍ، أَوْ كِتَابٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوُتٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ مَنْ فَهِمَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الصُّلَحَاءِ مِنْ جَعْلِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ وَغَيْرِهَا أَوْرَادًا وَيُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا، وَمَا حَسَّنَ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، ثُمَّ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ فَكَانُوا يَخْتِمُونَ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ دَائِمًا وَكَرِهُوا الْخَتْمَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ آخَرُونَ نَظَرًا إِلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، فَخَتَمَهُ جَمَاعَةٌ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُرَّةً وَآخَرُونَ مَرَّتَيْنِ، وَآخَرُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَخَتَمَهُ فِي رَكْعَةٍ مَنْ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً وَزَادَ آخَرُونَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَخَتَمَهُ جَمَاعَةٌ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ، وَآخَرُونَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَآخَرُونَ فِي كُلِّ عَشْرٍ، وَآخَرُونَ فِي كُلِّ سَبْعٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: (اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» ) وَيُسَمَّى خَتْمُ الْأَحْزَابِ، وَتَرْتِيبُهُ الْأَصَحُّ ; بَلِ الْوَارِدُ فِي الْأَثَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلٍ مَنْسُوبٍ إِلَى عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - (فَمِي بِشَوْقٍ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إِلَى الْفَاتِحَةِ الْمَفْتُوحَةِ بِهَا الْجُمُعَةُ، وَإِلَى مِيمِ الْمَائِدَةِ، ثُمَّ إِلَى يَاءِ يُونُسَ، ثُمَّ إِلَى بَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ إِلَى شِينِ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ إِلَى ق، ثُمَّ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ ; فَمَنْ كَانَ يَظْهَرُ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ اللَّطَائِفُ وَالْمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ يُحَصِّلُ كَمَالَ فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِنَشْرِ الْعِلْمِ، أَوْ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ مِنْ مُهِمَّاتِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَالَةِ، أَوِ الْهَذْرَمَةِ وَهِيَ سُرْعَةُ الْقِرَاءَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ ابْنُ كَاتِبٍ الصُّوفِيُّ يَخْتِمُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَاللَّيْلِ أَرْبَعًا، أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَبَادِي طَيِّ اللِّسَانِ وَبَسْطِ الزَّمَانِ، وَقَدْ رُوِىَ عَنِ الشَّيْخِ مُوسَى السَّدْرَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ الْمَغْرِبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سَبْعِينَ أَلْفَ خَتْمَةً، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بَعْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَخَتَمَ فِي مُحَاذَاةِ الْبَابِ بِحَيْثُ سَمِعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ حَرْفًا حَرْفًا، وَبَسْطُ هَذَا الْمَبْحَثِ فِي كِتَابِ نَفَحَاتِ الْأُنْسِ فِي حَضَرَاتِ الْقُدْسِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute