٢٢٦٢ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ: " سِيرُوا، هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ــ
٢٢٦٢ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ) : أَيْ: سَيْرًا ظَاهِرًا، وَفِي طَرِيقِ رَبِّ الْكَعْبَةِ سَيْرًا بَاطِنًا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَاهِبًا إِلَى مَكَّةَ، أَوْ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، (فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ) : عَلَى لَيْلَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفِي آخِرِهِ نُونٌ، وَهُوَ مَعَ جَمَادِيَّتِهِ يَشْعُرُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ، وَيَسْتَبْشِرُ بِمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْبَابِ الْعِرْفَانِ، كَمَا وَرَدَ: «أَنَّ الْجَبَلَ يُنَادِي الْجَبَلَ بِاسْمِهِ، أَيْ: فُلَانُ هَلْ مَرَّ بِكَ أَحَدٌ ذَكَرَ اللَّهَ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمِ اسْتَبْشَرَ» ، الْحَدِيثَ. (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) .
وَفِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ صَبَاحٍ وَلَا رَوَاحٍ إِلَّا وَبِقَاعُ الْأَرْضِ يُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا: هَلْ مَرَّ بِكَ الْيَوْمَ أَحَدٌ صَلَّى عَلَيْكَ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ عَلَيْكَ؟ فَمِنْ قَائِلَةٍ نَعَمْ، وَمِنْ قَائِلَةٍ لَا. فَإِذَا قَالَتْ نَعَمْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهَا بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَيْهَا» . (فَقَالَ: " سِيرُوا) : أَيْ: سَيْرًا حَسَنًا مَقْرُونًا بِذِكْرٍ وَحُضُورٍ وَشُكْرٍ وَسُرُورٍ " هَذَا جُمْدَانُ ": مُتَحَرِّكٌ بِالسَّيَرَانِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ سَاكِنًا كَالْحَيْرَانِ، سُئِلَ الْجُنَيْدُ، لِمَ تَرَكْتَ السَّمَاعَ؟ فَقَالَ: قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: ٨٨] (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَسْكُورَةِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ: الْمُفَرِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ أَقْرَانِهِمْ، الْمُمَيِّزُونَ أَحْوَالَهُمْ عَنْ إِخْوَانِهِمْ بِنَيْلِ الزُّلْفَى وَالْعُرُوجِ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعُلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَفْرَادٌ بِذِكْرِ اللَّهِ عَمَّنْ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ أَوْ جَعَلُوا رَبَّهُمْ فَرْدًا بِالذِّكْرِ، وَتَرَكُوا ذِكْرَ مَا سِوَاهُ وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّفْرِيدِ هُنَا. (قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ!) : قِيلَ: السُّؤَالُ عَنِ الصِّفَةِ أَعْنِي التَّفْرِيدَ، أَوِ الْإِفْرَادَ، لِأَنَّهُ مَا يُسْأَلُ بِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ يُسْأَلُ بِهِ عَنْ وَصْفِهِ أَيْضًا نَحْوَ سُؤَالِ فِرْعَوْنَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣] وَجَوَابِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشعراء: ٢٤] فِي وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا: وَمَنْ هُمْ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ التَّفْرِيدَ الْحَقِيقِيَّ الْمُعْتَدَّ لَهُ هُوَ تَفْرِيدُ النَّفْسِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَا صِفَةُ الْمُفَرِّدِينَ حَتَّى نَتَأَسَّى بِهِمْ فَنَسْبِقَ إِلَى مَا سَبَقُوا إِلَيْهِ وَنَطَّلِعَ عَلَى مَا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ؟ (قَالَ: " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا) : أَيْ: ذِكْرًا كَثِيرًا. قِيلَ: فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَفْسِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute