للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخَرَ: (وَالذَّاكِرَاتُ) : أَيِ: اللَّهَ، وَحَذْفُهُ لِلِاكْتِفَاءِ، أَوْ لِأَنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: الذَّاكِرَاتُهُ، فَحَذَفَ الْهَاءَ كَمَا حُذِفَ فِي التَّنْزِيلِ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَلِأَنَّهُ مَفْعُولٌ وَحَذْفُهُ شَائِعٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ صَحِيحٌ، وَالذَّاكِرُ الْكَثِيرُ هُوَ أَنْ لَا يَنْسَى الرَّبَّ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَا الذِّكْرُ بِكَثْرَةِ اللُّغَاتِ، وَالْمُرَادُ هُمُ الْمُسْتَخْلَصُونَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ، الْمُسْتَغْنُونَ لِذِكْرِهِ، الْمُولَعُونَ بِفِكْرِهِ، الْقَائِمُونَ بِوَظِيفَةِ شُكْرِهِ، الْمُعْتَزِلُونَ عَنْ غَيْرِهِ، هَجَرُوا الْخِلَّانَ، وَتَرَكُوا الْأَوْطَانَ، وَقَطَعُوا الْأَسْبَابَ، وَلَازَمُوا الْبَابَ، وَانْفَصَلُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَانْفَطَمُوا عَنِ اللَّذَّاتِ، لَا لَذَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَلَا نِعْمَةَ لَهُمْ إِلَّا بِشُكْرِهِ، إِذْ لَا يَصِحُّ مَقَامُ التَّفْرِيدِ بَعْدَ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨] أَيِ: انْقَطِعْ إِلَيْهِ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " مَا " بِمَعْنَى " مِنْ "، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ " مَا " هَاهُنَا تَغْلِيبُ غَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ لِكَثْرَتِهِمْ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ لِقِلَّتِهِمْ، لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لَهَا حَظٌّ مِنَ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْخَشْيَةِ مِنْهُ عَلَى مَا حَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا قَرُبُوا أَيِ: الصَّحَابَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ اشْتَاقُوا إِلَى الْأَوْطَانِ، فَتَفَرَّدَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَسَبَقُوا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَخَلِّفِينَ: " سِيرُوا فَقَدْ قَرُبَ الدَّارُ، وَهَذَا جُمْدَانُ، وَسَبَقَكُمُ الْمُفَرِّدُونَ " يُقَالُ فَرَّدَ بِرَأْيِهِ وَأَفْرَدَ وَفَرَدَ بِمَعْنَى انْفَرَدَ بِهِ، وَيُقَالُ: فَرَّدَ نَفْسَهُ إِذَا تَبَتَّلَ لِلْعِبَادَةِ، وَأَمَّا جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سُؤَالِهِمْ، فَمِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ: دَعُوا سُؤَالَكُمْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَسَلُوا عَنِ السَّابِقِينَ إِلَى الْخَيْرَاتِ الَّذِينَ أَفْرَدُوا أَنْفُسَهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَرَجٍّ لَا يُدْرَكُ أَهُوَ الْوَاقِعُ أَمْ لَا. حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّهُمْ كَانُوا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا قَرَبُوا إِلَخْ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ فِي الْجَوَابِ: قَالَ الْمُسْتَهْتَرُونَ: بِفَتْحِ التَّاءَيْنِ أَيْ: الْمُبَالِغُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ: يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>