(٢) - كِتَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٢٨٧ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(٢) كِتَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
اسْمُهُ تَعَالَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ كَاللَّهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَالْقُدُّوسِ، وَالْأَوَّلِ أَوْ حَقِيقِيَّةٍ ثُبُوتِيَّةٍ كَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ، أَوْ إِضَافِيَّةٍ كَالْحَمِيدِ وَالْمَلِيكِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ كَالرَّازِقِ وَالْخَالِقِ، وَالِاسْمُ هُوَ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَعْنَى بِالْوَضْعِ لُغَةً، وَالْمُسَمَّى هُوَ: الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ الِاسْمُ، وَالتَّسْمِيَةُ وَضْعُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الِاسْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى، فَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَغَيْرُ الْمُسَمَّى عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، فَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الِاسْمُ هُوَ التَّسْمِيَةُ دُونَ الْمُسَمَّى. وَقَالَ مَشَايِخُنَا: التَّسْمِيَةُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُسَمَّى، وَالِاسْمُ هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يَكُونُ عَيْنَ الْمُسَمَّى كَاللَّهِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ كَالْخَالِقِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ عَيْنَهُ وَلَا غَيْرَهُ كَالْعَالِمِ، فَإِنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ عَيْنَ ذَاتِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَلَا غَيْرَهُ عَلَى أَنَّ الْغَيْرَ مَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَيْسَتْ عَيْنَ ذَاتِهِ، لِمَا أَنَّ الْمَعَانِيَ تُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ لُغَةً وَعَقْلًا، فَهِيَ إِنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ نَقْصًا؛ لِأَنَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً كَانَتْ زَائِدَةً بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ يَمْتَنِعُ قِيَامُهَا بِذَاتِهَا، فَثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْغِيَرَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يُمْكِنُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَذَهَبَ الْفَلَاسِفَةُ إِلَى كَوْنِهَا عَيْنَ الذَّاتِ، وَيَقْرُبُ مِنْ قَوْلِهِمْ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ لَا بِالْعِلْمِ، بَلْ بِالذَّاتِ، وَمَحَلُّ هَذَا الْمَبْحَثِ كُتُبُ الْعَقَائِدِ، وَلَمْ يَتَكَلَّفِ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي التِّلَاوَةِ وَالْمَتْلُوِّ تَوَرُّعًا وَطَلَبًا لِلسَّلَامَةِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلِ
٢٢٨٧ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ لِلَّهِ) : زِيدَ فِي نُسْخَةٍ " تَعَالَى " (تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا) : أَيْ: صِفَةً (مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا) وَفِي نُسْخَةٍ: إِلَّا وَاحِدَةً. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: جَاءَ فِي كِتَابِ الْمَصَابِيحِ: إِلَّا وَاحِدَةً، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ إِلَّا وَاحِدَةً نَظَرًا إِلَى الْكَلِمَةِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ (مَنْ أَحْصَاهَا) : أَيْ: مَنْ آمَنَ بِهَا، أَوْ عَدَّهَا وَقَرَأَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً عَلَى طَرِيقِ التَّرْتِيلِ تَبَرُّكًا وَإِخْلَاصًا، أَوْ حَفِظَ مَبَانِيهَا وَعَلِمَ مَعَانِيهَا وَتَخَلَّقَ بِمَا فِيهَا (دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ: دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ دُخُولًا مُعَظَّمًا، أَوْ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» أَيِ: الْجَنَّةَ الْحِسِّيَّةَ فِي الْعُقْبَى وَالْمَعْنَوِيَّةَ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: قَوْلُهُ: " مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً " بَدَلُ الْكُلِّ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَ اسْمِ إِنَّ، أَوْ مَنْصُوبٍ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَنْعِ عَنِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ " تِسْعَةً وَتِسْعِينَ " بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ بِتَقَدُّمِ السِّينِ فِي الْأَوَّلِ، أَوْ سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فِيهِمَا، أَوْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ بِتَقَدُّمِ السِّينِ فِي الثَّانِي مِنْ زَلَّةِ الْكَاتِبِ وَهَفْوَةِ الْقَلَمِ، فَيَنْشَأُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَسْمُوعِ مِنَ الْمَسْطُورِ، فَأَكَّدَهُ بِهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْخِلَافِ وَإِرْشَادًا لِلِاحْتِيَاطِ فِي هَذَا الْبَابِ، أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] . قَالَ فِي الْمَعَالِمِ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠] الْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى تَسْمِيَتُهُ بِمَا لَا يَنْطِقُ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَسْمَاءُ اللَّهِ تُوجَدُ تَوْقِيفًا وَيُرَاعَى فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَكُلُّ اسْمٍ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ وَجَبَ إِطْلَاقُهُ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى، وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ فِي وَصْفِهِ وَإِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ. قَالَ الرَّاغِبُ: ذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللَّهِ اسْمٌ يَصِحُّ مَعْنَاهُ فِيهِ، وَالْأَفْهَامُ الصَّحِيحَةُ الْبَشَرِيَّةُ لَهَا سِعَةٌ وَمَجَالٌ فِي اخْتِيَارِ الصِّفَاتِ. قَالَ: وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيِّ كَالْمُعْتَزِلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute