قَالَ الطِّيبِيُّ: نَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنِ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى، إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَكَانَتِ الْأَسْمَاءُ لِغَيْرِهِ، وَلَخَّصَ هَذَا الْمَعْنَى الْقَاضِي وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الِاسْمُ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا الْحُكْمُ بِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ. فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاسْمِ هَاهُنَا اللَّفْظُ، وَلَا خِلَافَ فِي وُرُودِ الِاسْمِ بِهَذَا الْمَعْنَى، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُسَمَّى عَيْنُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ تَعَدُّدُ الْمُسَمَّى. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ حَقِيقَةٍ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي التَّعَدُّدَ فِي الِاعْتِبَارَاتِ وَالصِّفَاتِ دُونَ الذَّاتِ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ إِذْ ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ الرَّبُّ الْمَوْلَى النَّصِيرُ الْمُحِيطُ الْكَافِي الْعَلَّامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَفِي السُّنَّةِ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ الدَّائِمُ الْجَمِيلُ، وَتَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا أَشْهَرَ لَفْظًا وَأَظْهَرَ مَعْنًى، وَلِأَنَّهَا غُرَرُ أَسْمَائِهِ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَعَانِي غَيْرِهَا. وَقِيلَ: مَنْ أَحْصَاهَا صِفَةٌ لَهَا، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ مِثْلَ: لِفُلَانٍ أَلْفُ شَاةٍ أَعَدَّهَا لِلْأَضْيَافِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا.
(وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِلْبُخَارِيِّ ذَكَرَهُ مِيرَكُ فِي حَاشِيَةِ الْحِصْنِ (وَهُوَ) : أَيْ: ذَاتُهُ تَعَالَى: (وِتْرٌ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ: فَرْدٌ لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ ( «يُحِبُّ الْوِتْرَ» ) : أَيْ: مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَذْكَارِ، يَعْنِي يُحِبُّ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى صِفَةِ الْإِخْلَاصِ وَالتَّفَرُّدِ لَهُ تَعَالَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ أَيْ: يُثِيبُ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَتَى بِهِ وِتْرًا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى مَعَانِي الْفَرْدِيَّةِ قَلْبًا، وَلِسَانًا، وَإِيمَانًا، وَإِخْلَاصًا إِثَابَةً كَامِلَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «لَا يَحْفَظُهُ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute