للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(الْقَهَّارُ) : أَيِ: الَّذِي لَا مَوْجُودَ إِلَّا وَهُوَ مَقْهُورٌ تَحْتَ قُدْرَتِهِ مُسَخَّرٌ لِقَضَائِهِ، وَقَدَرِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨] وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَذَلَّ الْجَبَابِرَةَ وَقَصَمَ ظُهُورَهُمْ بِالْإِهْلَاكِ نَحْوِهِ، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: هُوَ مَنِ اضْمَحَلَّتْ عِنْدَ صَوْلَتِهِ صَوْلَةُ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ أَوْ جَبَّارٍ، وَبَادَتْ عِنْدَ سَطْوَتِهِ قُوَى الْمُلُوكِ وَأَرْبَابِ التَّفَاخُرِ وَالِاسْتِكْبَارِ، لَاسِيَّمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: ١٦] فَأَيْنَ الْجَبَابِرَةُ الْأَكَاسِرَةُ عِنْدَ ظُهُورِ هَذَا الْخِطَابِ؟ وَأَيْنَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ فِي هَذَا الْعِتَابِ؟ وَأَيْنَ أَهْلُ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِرْشَادِ؟ وَأَيْنَ آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ وَإِبْلِيسُ وَشِيعَتُهُ، وَكَأَنَّهُمْ بَادُوا وَانْقَرَضُوا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَغْنَوْا، زَهَقَتِ النُّفُوسُ، وَبَلَغَتِ الْأَرْوَاحُ، وَتَبَدَّدَتِ الْأَجْسَامُ وَالْأَشْبَاحُ، وَبَقِيَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَمَا عَدَاهُ بَادُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَتَفَرَّقَتْ مِنْهُمُ الْأَعْضَاءُ وَالْأَوْصَالُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَهَرَ نُفُوسَ الْعَابِدِينَ بِحُقُوقِ عُبُودِيَّتِهِ، وَقُلُوبَ الْعَارِفِينَ بِسَطْوَةِ قُرْبَتِهِ، وَأَرْوَاحَ الْوَاجِدِينَ بِكَشْفِ حَقِيقَتِهِ، فَالْعَابِدُ بِلَا نَفْسٍ لِاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ أَفْعَالِهِ عَلَيْهِ، وَالْعَارِفُ بِلَا قَلْبٍ، لِاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَالْوَاحِدُ بِلَا رُوحٍ لِاسْتِيلَاءِ كَشْفِ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، فَمَتَى أَرَادَ الْعَابِدُ خُرُوجَهُ عَنْ قَيْدِ مُجَاهَدَتِهِ، قَهَرَتْهُ سَطْوَةُ الْعِتَابِ فَرَدَّتْهُ إِلَى بَذْلِ الْمُهْجَةِ، وَمَتَى أَرَادَ الْعَارِفُ خُرُوجَهُ عَنْ مُطْلَبَاتِ الْقُرْبَةِ، قَهَرَتْهُ بِوَادِي الْهَيْبَةِ فَرَدَّتْهُ إِلَى تَوْدِيعِ الْمُهْجَةِ، فَشَتَّانَ بَيْنِ عَبْدِ مَقْهُورِ أَفْعَالِهِ، وَعَبْدٍ هُوَ مَقْهُورُ جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ.

(الْوَهَّابُ) : أَيْ: كَثِيرُ النِّعْمَةِ دَائِمُ الْعَطِيَّةِ: قَالَ تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ - وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٥٣ - ٣٤] وَالْهِبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، هِيَ الْخَالِيَةُ عَنْ غَرَضِ الْأَعْرَاضِ وَالْأَغْرَاضِ، فَإِنَّ الْمُعْطِيَ لِغَرَضٍ مُسْتَعِيضٌ، وَلَيْسَ بِوَاهِبٍ فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ.

تَنْبِيهٌ: الْفَتَّاحُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الرَّزَّاقِ.

(الْفَتَّاحُ) : أَيْ: الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، مِنَ الْفَتْحِ، بِمَعْنَى الْحُكْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: ٨٩] لِأَنَّ الْحَكَمَ يَفْتَحُ الْأَمْرَ الْمُغْلَقَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْحَقَّ وَأَوْضَحَهُ، وَبَيَّنَ الْبَاطِلَ وَأَدْحَضَهُ بِبَعْثِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَنَصْبِ الْحُجَجِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَمَرْجِعُهُ إِلَى الْعِلْمِ. وَقِيلَ: الَّذِي يَفْتَحُ خَزَائِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى أَصْنَافِ الْبَرِيَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: ٥٩] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَفْتَحُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: ٢] وَقِيلَ الْمِفْتَاحُ مِنَ الْفَتْحِ وَهُوَ الْإِفْرَاجُ مِنَ الضِّيقِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، كَالَّذِي يُفَرِّجُ تَضَايُقَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْحَقِّ بِحُكْمِهِ، وَعَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ: الْفَتَّاحُ هُوَ الَّذِي لَا يُغْلِقُ وُجُوهَ النِّعْمَةِ بِالْعِصْيَانِ، وَلَا يَتْرُكُ إِيصَالَ الرَّحْمَةِ إِلَيْهِمْ بِالنِّسْيَانِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَفْتَحُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَعْرِفَتِهِ، وَفَتَحَ عَلَى الْعَاصِينَ أَبْوَابَ مَغْفِرَتِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي فَتَحَ عَلَى النُّفُوسِ بَابَ تَوْفِيقِهِ، وَعَلَى الْأَسْرَارِ بَابَ تَحْقِيقِهِ، وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ تَسْعَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَنْ تَنْصُرَ الْمَظْلُومِينَ، وَأَنْ تَهْتَمَّ بِتَيْسِيرِ مَا تَعَسَّرَ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، حَتَّى يَكُونَ لَكَ حَظٌّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ.

قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْفَتَّاحُ لِلْأَبْوَابِ، الْمُيَسِّرُ لِلْأَسْبَابِ، الْكَافِي لِلْحُضُورِ، الْمُصْلِحُ لِلْأُمُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ قَلْبُهُ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِدُونِهِ فِكْرُهُ لَا يَزِيدُ بَلَاءٌ إِلَّا وَيَزِيدُ بِرَبِّهِ ثِقَةً وَرَجَاءً، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَفْتَحُ لِلنُّفُوسِ بَرَكَاتِ التَّوْفِيقِ، وَلِلْقُلُوبِ دَرَجَاتِ التَّحْقِيقِ، فَبِتَوْفِيقِهِ تُزَيَّنُ النُّفُوسُ بِالْمُجَاهَدَاتِ، وَبِتَحْقِيقِهِ تُزَيَّنُ الْقُلُوبُ بِالْمُشَاهَدَاتِ، وَمِنْ آدَابِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْفَتَّاحُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الِانْتِظَارِ لِنَيْلِ كَرَمِهِ، مُسْتَدِيمَ التَّطَلُّعِ لِوُجُودِ لُطْفِهِ، سَاكِنًا تَحْتَ جَرَيَانِ حُكْمِهِ، عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ، قَالَ رَجُلٌ وَهُوَ مُؤْذِنٌ عَلَى الْجَارِيَةِ لِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: إِنِّي أُحِبُّكِ، فَذَكَرَتْهُ لَعَلِيٍّ، فَقَالَ، قَوْلِي لَهُ: وَأَنَا أَيْضًا أُحِبُّكَ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَتْ ذَلِكَ. فَقَالَ: إذًا نَصْبِرُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنِ الْقِصَّةِ فَأَخْبَرَهُ بِالصِّدْقِ، فَقَالَ: خُذْهَا فَهِيَ لَكَ قَدْ حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ، وَقِيلَ: مُبْدِعُ الْفَتْحِ وَالنُّصْرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١]

<<  <  ج: ص:  >  >>