(الْوَكِيلُ) : الْقَائِمُ بِأُمُورِ عِبَادِهِ الْمُتَكَفِّلُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَقِيلَ: الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ تَدْبِيرُهُمْ إِقَامَةً وَكِفَايَةً، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْوَكِيلُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِحُكْمِ إِقَامَتِهِ لَهُ، وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ أَمْرَيْنِ، أَحَدِهِمَا: عَجْزُ الْخَلْقِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَجَامِعِ أُمُورِهِمْ كَمَا يَنْبَغِي إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكِلُ أَمْرَهُ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا تَعَسَّرَ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِحَالِهِمْ قَادِرٌ عَلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ رَحِيمٌ بِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَجْمِعْ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَحْسُنُ تَوْكِيلُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: ٨١] ، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣] ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ - وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء: ٥٨ - ٢١٧] وَالتَّخَلُّقُ بِهِ أَنْ تَقُومَ بِأُمُورِ عِبَادِهِ وَمَطَالِبِهِمْ وَتَسْعَى فِي إِسْعَافِ مَآرِبِهِمْ.
(الْقَوِيُّ) : الْقُوَّةُ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مُرَتَّبَةٍ أَقْصَاهَا الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ الْبَالِغَةُ السَّابِغَةُ الْوَاصِلَةُ إِلَى الْكَمَالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَوِيٌّ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَا قُوَّةَ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِهِ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلُ مَا يُوجَدُ فِي بَاطِنِهِ مِنْ إِحْسَاسِ الْعَمَلِ يُسَمَّى حَوْلًا، ثُمَّ مَا يُحِسُّ بِهِ فِي الْأَعْضَاءِ مِنْ إِطَاقَتِهَا لَهُ يُسَمَّى قُوَّةً، ثُمَّ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِصُورَةِ الْبَطْشِ وَالتَّنَاوُلِ يُسَمَّى قُدْرَةً، وَلِهَذَا كَانَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَيْهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّكَ إِذَا نَفَيْتَ عَنْ غَيْرِهِ الْمَرْتَبَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَأَوْلَى أَنْ تَنْفِيَ عَنْهُ الثَّالِثَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ وَهِيَ الْقُدْرَةُ لَمَّا كَانَتْ ظَاهِرَةَ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ مَا احْتَاجَ فِي النَّفْيِ إِلَى ذِكْرِهِ، لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ السُّفَهَاءِ، فَضْلًا عَنِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَوَهَّمْ أَنَّ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً بِخِلَافِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ حَيْثُ قَدْ يَنْشَأُ عَنِ الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ نِسْبَتُهُمَا إِلَى أَنْفُسِهِمْ، كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فَدَفَعَ وَهْمَهُمْ وَأَبْطَلَ فَهْمَهُمْ، وَلَمَّا كَانَتِ الْمُرْجِئَةُ وَقَعُوا فِي التَّعْطِيلِ، وَبِمُطْلَقِ التَّنْزِيهِ ضِدَّ وُقُوعِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّشْبِيهِ أَثْبَتَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ (إِلَّا بِاللَّهِ) لِتَكُونَ الْحُجَّةُ لِلَّهِ، وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْجَمْعِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: ١٧] كَمَا يُومِئُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] فَتَقَرُّبُكَ مِنْهُ تَعَلُّقًا أَنْ تُسْقِطَ التَّدْبِيرَ وَتَتْرُكَ مُنَازَعَةَ التَّقْدِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ، وَلَا تَحُومُ حَوْلَ الدَّعْوَى، وَلَا تُبَالِي مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا، وَتَخَلُّقًا أَنْ تَكُونَ قَوِيًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا تَخَافَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
(الْمَتِينُ) : مِنَ الْمَتَانَةِ وَالشِّدَّةِ، وَمَرْجِعُ هَذَيْنِ إِلَى الْوَصْفِ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَشِدَّةِ الْقُوَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَالِغُ الْقُدْرَةِ وَدَائِمُهَا قَوِيٌّ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَدِيدُ الْقُوَّةِ مَتِينٌ، وَقِيلَ: الْمَتِينُ مِنَ الْمَتَانَةِ، وَهِيَ اسْتِحْكَامُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَثَّرُ أَيْ: هُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ وَلَا يَتَأَثَّرُ، وَالْغَالِبُ الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُغْلَبُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي قُوَّتِهِ إِلَى مَادَّةٍ وَسَبَبٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: ٥٨] وَهُوَ تَعَالَى إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكَ عَبْدٍ أَهْلَكَهُ بِيَدِهِ إِمَّا ذَبْحًا وَخَنْقًا، وَإِمَّا حَرْقًا وَغَرَقًا، وَلِهَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: خَفْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَوْنٍ عَلَيْكَ، بَلْ لَوْ شَاءَ إِتْلَافَكَ أَخْرَجَكَ عَنْ نَفْسِكَ حَتَّى يَكُونَ هَلَاكُكَ عَلَى يَدَيْكَ وَأَنْشَدَ:
إِلَى حَتْفِي أَرَى قَدَمِي أَرَاقَ دَمِي.
وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَمُسْتَنِدًا إِلَيْهِ.
(الْوَلِيُّ) : أَيِ: الْمُحِبُّ لِأَوْلِيَائِهِ النَّاصِرُ لَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِ لِقَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: ١٩] ، {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: ٢٨] . وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ جَمِيعِ خَلِيقَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ بِعِزَّتِهِ، أَوْ لِأُمُورِ عِبَادِهِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْتَصِّينَ بِاجْتِبَائِهِ وَإِسْعَادِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: ٢٥٧] . وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَتَوَلَّ غَيْرَهُ وَغَيْرَ مَنْ يُحِبُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: ٥٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute