(وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) : الْمِدَادُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْمَدَدِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالْكَثْرَةُ، أَيْ: بِمِقْدَارِ مَا يُسَاوِيهَا فِي الْكَثْرَةِ بِمِعْيَارٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، أَوْ مَا أَشْبَهُهُ مِنْ وُجُوهِ الْحَصْرِ، وَالتَّقْدِيرِ: وَهَذَا تَمْثِيلٌ يُرَادُ بِهِ التَّقْرِيبُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَدْخُلُ فِي الْكَيْلِ، وَكَلِمَاتُهُ تَعَالَى هُوَ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ لَا تَعُدُّ وَلَا تَنْحَصِرُ، فَإِذَا الْمُرَادُ الْمَجَازُ مُبَالَغَةً فِي الْكَثْرَةِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا يَحْصُرُهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرِ مِنْ عَدَدِ الْخَلْقِ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ أَيْ: مَا لَا يُحْصِيهِ عَدٌّ كَمَا لَا تُحْصَى كَلِمَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: نَصْبُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ: أَعِدُّ تَسْبِيحَهُ الْمَقْرُونَ بِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَأُقَدِّرُ مِقْدَارَ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِقْدَارَ كَلِمَاتِهِ، وَمِدَادُ الشَّيْءِ وَمَدَدُهُ مَا يُمَدُّ بِهِ وَيُزَادُ وَيَكْثُرُ، وَالْمُرَادُ الْمِقْدَارُ أَيْ: أُسَبِّحُهُ وَأَحْمَدُهُ بِمِقْدَارِ كَلِمَاتِهِ أَيْ: كُتُبِهِ وَصُحُفِهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَكَلِمَاتُهُ أَيْضًا تُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَمْرِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ.
أَقُولُ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ فِي الذِّكْرِ بِاعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمَذْكُورِ فِي ذِهْنِ الذَّاكِرِ أَرْجَحُ عَلَى الْكَمِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَعَ التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالْحُضُورِ وَالتَّذَكُّرِ، وَلَوْ فِي آيَةٍ تُفَضَّلُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْكَثِيرَةِ الْخَالِيَةِ عَمَّا ذُكِرَ، فَالْمُرَادُ حَثُّ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَتَرْغِيبُهَا عَلَى التَّذَكُّرِ فِي الذِّكْرِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الْوَارِدَةَ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute