للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣١٦ - وَعَنْ يُسَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

٢٣١٦ - (وَعَنْ يُسَيْرَةَ) : - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ - وَيُقَالُ أُسَيْرَةَ بِالْهَمْزِ، أُمُّ يَاسِرٍ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِيَّاتِ، وَيُقَالُ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ: (وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ) : وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ: إِنَّهَا بِنْتُ يَاسِرٍ فَهُوَ سَهْوُ قَلَمٍ. (قَالَتْ: قَالَ لَنَا) أَيْ: مَعْشَرِ النِّسَاءِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عَلَيْكُنَّ) : اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمْنَ وَأَمْسِكْنَ (بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ) أَيْ: قَوْلِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، أَوْ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّقْدِيسِ التَّكْبِيرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ فِي الْمَعْدُودَاتِ عَلَى وَفْقِ نَظَائِرِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الْكَلِمَةَ إِذَا تَكَرَّرَتْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمُ اخْتَصَرُوهَا لِيَسْهُلَ تَكَرُّرُهَا بِضَمِّ بَعْضِ حُرُوفِ إِحْدَاهَا إِلَى الْأُخْرَى، كَالْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَكَالتَّهْلِيلِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُقَالُ: هَيْلَلَ الرَّجُلُ وَهَلَّلَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَسْمَلَةَ وَنَحْوَهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمَصْنُوعَةِ لَا الْعَرَبِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ وَالْبَسْمَلَةِ، وَأَمَّا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ فَمَصْدَرَانِ قِيَاسِيَّانِ، وَكَذَا التَّقْدِيسُ، وَمَعْنَاهَا جَعْلُ اللَّهِ مُسَبَّحًا وَمُقَدَّسًا أَيْ: مُنَزَّهًا بِالذِّكْرِ وَالِاعْتِقَادِ عَنْ صِفَاتِ الْحُدُوثِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَمُهَلِّلًا أَيْ: مَرْفُوعَ الصَّوْتِ بِذِكْرِ تَوْحِيدِهِ وَإِثْبَاتِ تَفْرِيدِهِ، نَعَمْ هَيْلَلَ مِنْ قَبِيلِ بَسْمَلَ، وَكَذَا سَبْحَلَ، وَكَذَا قَدْسَلَ، لَوْ سُمِعَ أَوْ بُنِيَ لِوُجُودِ دَلَالَةِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى كَلِمَةٍ فِي مُقَابَلَتِهَا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ، وَأَيْضًا فَهَذِهِ مَصَادِرُ بَابِ التَّفْعِيلِ عَلَى طِبْقِ الْمَوْضُوعِ. وَالْمَصْدَرُ الْمَصْنُوعُ مُخْتَصٌّ بِبَابِ الْفَعْلَلَةِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي التَّصْرِيفِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَمُحَقَّقٌ، وَلَا يَضُرُّنَا تَفْسِيرُهُمُ التَّسْبِيحَ بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَالتَّهْلِيلَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالتَّقْدِيسَ بِسُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ مَعْنَوِيٌّ مُجَزَّأٌ مِنْ مَعْنًى كُلِّيٍّ هُوَ الْمَفْهُومُ الْمَصْدَرِيُّ (وَاعْقِدْنَ) : بِكَسْرِ الْقَافِ أَيِ: اعْدُدْنَ عَدَدَ مَرَّاتِ التَّسْبِيحِ وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ (بِالْأَنَامِلِ) أَيْ: بِعَقْدِهَا أَوْ بِرُءُوسِهَا يُقَالُ: عَقْدُ الشَّيْءِ بِالْأَنَامِلِ عَدُّهُ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ عَدُّهُنَّ، أَوِ التَّقْدِيرُ: اعْدُدْنَ. لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: حَرَّضَهُنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُحْصِينَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ بِأَنَامِلِهِنَّ لِيَحُطَّ عَنْهَا بِذَلِكَ مَا اجْتَرَحَتْهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَعْرِفْنَ عَقْدَ الْحِسَابِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ. وَهُوَ وَهْمٌ، وَانْتِقَالٌ مِنْهُ مِنَ الْبَاءِ إِلَى " مِنْ " وَإِلَّا فَزِيَادَةُ الْبَاءِ فِي الْمَفْعُولِ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: ٢٥] ، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: ١٥] ، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: ٢٥] ، {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ} [ص: ٣٣] ، {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَقَوْلِهِ: فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ عَيَّرَنَا حُبُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا، وَالْأَنَامِلُ جَمْعُ أُنْمُلَةٍ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَالْهَمْزِ تِسْعُ لُغَاتٍ فِيهَا الظُّفْرُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَصَابِعُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْبَعْضِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: ١٩] لِمُبَالَغَةٍ، وَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>