للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جَوَازُ عَدِّ الْأَذْكَارِ وَمَأْخَذُ سُبْحَةِ الْأَبْرَارِ، وَقَدْ كَانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَيْطٌ فِيهِ عُقَدٌ كَثِيرَةٌ يُسَبِّحُ بِهَا، وَزَعْمُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُودِ أَصْلِهَا فِي السُّنَّةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْعَقْدَ بِالْأَنَامِلِ دَلَالَةً عَلَى الْأَفْضَلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُنَّ) أَيِ: الْأَنَامِلَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ (مَسْئُولَاتٌ) أَيْ: يُسْأَلْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا اكْتَسَبْنَ وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتُعْمِلْنَ، (مُسْتَنْطَقَاتٌ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ: مُتَكَلِّمَاتٌ بِخَلْقِ النُّطْقِ فِيهَا فَيَشْهَدْنَ لِصَاحِبِهِنَّ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا اكْتَسَبَهُ. قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤] ، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: ٢٢] وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَعْضَاءِ فِيمَا يُرْضِي الرَّبَّ تَعَالَى وَتَعْرِيضُ التَّحَفُّظِ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ. (وَلَا تَغْفُلْنَ) : بِضَمِّ الْفَاءِ، وَالْفَتْحِ لَحْنٌ أَيْ: عَنِ الذِّكْرِ يَعْنِي لَا تَتْرُكْنَ الذِّكْرَ، (فَتَنْسَيْنَ) : بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ: فَتَتْرُكْنَ (الرَّحْمَةَ) : بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِنِسْيَانِ الرَّحْمَةِ نِسْيَانُ أَسْبَابِهَا أَيْ: لَا تَتْرُكْنَ الذِّكْرَ، فَإِنَّكُنَّ لَوْ تَرَكْتُنَّ الذِّكْرَ لَحُرِمْتُنَّ ثَوَابَهُ، فَكَأَنَّكُنَّ تَرَكْتُنَّ الرَّحْمَةَ. قَالَ تَعَالَى: فَاذْكُرُونِي أَيْ: بِالطَّاعَةِ أَذْكُرْكُمْ أَيْ: بِالرَّحْمَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِصِيغَةٍ مَجْهُولَةٍ مِنَ الْإِنْسَاءِ، أَيْ: إِنَّكُنَّ اسْتُحْفِظْتُنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ وَأُمِرْتُنَّ بِسُؤَالِهَا، فَإِذَا غَفَلْتُنَّ فَقَدْ ضَيَّعْتُنَّ مَا اسْتُودِعْتُنَّ فَتُرِكْتُنَّ سُدًى عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ الطِّيبِيُّ: (لَا تَغْفُلْنَ) نَهْيٌ لِأَمْرَيْنِ أَيْ: لَا تَغْفُلْنَ عَمَّا ذَكَرْتُ، لَكِنْ مِنَ اللُّزُومِ عَلَى الذِّكْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَالْعَقْدِ بِالْأَصَابِعِ تَوْثِيقًا، وَقَوْلُهُ: فَتَنْسَيْنَ جَوَابُ " لَوْ " أَيْ: إِنَّكُنَّ لَوْ تَغْفُلْنَ عَمَّا ذَكَرْتُ لَكُنَّ لَتُرِكْتُنَّ سُدًى عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: ٨١] أَوْ لَا يَكُنْ مِنْكُنَّ الْغَفْلَةُ فَيَكُونَ مِنَ اللَّهِ تَرْكُ الرَّحْمَةِ، فَعَبَّرَ بِالنِّسْيَانِ عَنْ تَرْكِ الرَّحْمَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٦] . (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>