١٣٨ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ مَثَلَتْ لَهُ الشَّمْسُ عِنْدَ. غُرُوبِهَا. فَيَجْلِسُ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: دَعُونِي أُصَلِّي» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
١٣٨ - (وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (مَثَلَتْ لَهُ الشَّمْسُ) ، أَيْ: صُوِّرَتْ وَخُيِّلَتْ (عِنْدَ غُرُوبِهَا) : حَالٌ مِنَ الشَّمْسِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهَا قَرِيبَةَ الْغُرُوبِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَالَ كَوْنِهَا غَارِبَةً لَا ظَرْفَ لِمَثَلَتْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ التَّمْثِيلَ لَا يَكُونُ إِلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَتَقَرَّرُ أَنَّهُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ أَوْ بَعْدَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، وَهَذَا لَا يُقَيَّدُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّمْثِيلَ بِهَا حَالَةَ كَوْنِهَا غَارِبَةً عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى مُسَارَعَتِهِ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَإِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِمْ: كَمَا تَعِيشُونَ تَمُوتُونَ وَكَمَا تَمُوتُونَ تُحْشَرُونَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ تَنْبِيهًا عَلَى رَفَاهِيَتِهِ وَقِيَامًا بِشُكْرِ نِعْمَتِهِ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ: (فَيَجْلِسُ) : وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَقِيلَ مَجْهُولٌ (يَمْسَحُ) ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مَاسِحًا (عَيْنَيْهِ) : عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَيْقِظِ لِأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَوَرَدَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا) (وَيَقُولُ: دَعُونِي) : أَيِ اتْرُكُوا كَلَامِيَ وَالسُّؤَالَ عَنِّي (أُصَلِّي) ، أَيْ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ خَوْفَ الْفَوْتِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ بَعْدُ فِي الدُّنْيَا، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفَرْضِ وَيَشْغَلُهُ مِنْ قِيَامِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَذَلِكَ مِنْ رُسُوخِهِ فِي أَدَائِهِ وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا تَخْصِيصُ ذِكْرِ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ الْغَرِيبَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ يَنْزِلُهُ عِنْدَ الْغُرُوبِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّفَرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآخِرُ مَرْحَلَةٍ يَكُونُ عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ وَجْهَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى تَأَكُّدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَأَنَّهَا الْوُسْطَى، فَمُثِّلَ لَهُ آخِرُ وَقْتِهَا لِيَطْلُبَ صَلَاتَهَا إِعْلَامًا بِمَزِيدِ فَضْلِهَا وَتَأَكُّدِهَا، أَوْ إِلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ يَجْلِسُونَ يُرَاقِبُونَ الْغُرُوبَ حَتَّى إِذَا دَنَتِ الشَّمْسُ إِلَيْهِمْ نَقَرُوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ. فَبَادَرَ الْمَيِّتُ إِذْ زَالَ مَانِعُهُ وَمَثَلَ لَهُ هَذَا الْوَقْتُ إِلَى الصَّلَاةِ لِيَسْلَمَ مِنْ وَصْمَتِهِمِ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْغُرُوبَ إِشَارَةٌ إِلَى ارْتِحَالِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَزَوَالِهِ وَغُرُوبِهِ عَنْهَا فَإِنَّ الْقَبْرَ آخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا، وَالْبَرْزَخُ مُشَبَّهٌ بِاللَّيْلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْيَوْمِ السَّابِقِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ اللَّاحِقِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ لِتَمْثِيلٍ يُنَاسِبُ ظُلْمَةَ الْقَبْرِ وَظُهُورِ نُورِ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْمُؤَدِّي لِلصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute