١٣٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ، فَيَجْلِسُ الرَّجُلُ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْغُوبٍ، ثُمَّ يُقَالُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ فِي الْإِسْلَامِ. فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَصَدَّقْنَاهُ. فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ؟ فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ، فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَجْلِسُ الرَّجُلُ السُّوءُ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْغُوبًا، فَيُقَالُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي! فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُهُ، فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً إِلَى النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
١٣٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (عَنِ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ) : اللَّامُ لِلْجِنْسِ (يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ) : وَكُلُّ مَا اسْتَقَرَّ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَبْرُهُ (فَيَجْلِسُ) : قِيلَ مَجْهُولٌ (الرَّجُلُ) ، أَيِ: الصَّالِحُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ) : بِكَسْرِ الزَّايِ وَنَصْبُ (غَيْرَ) عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا مَشْغُوبٍ) : تَأْكِيدٌ مِنَ الشَّغَبِ وَهُوَ تَهْيِيجُ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَزِعٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِيهَامِهِ هُنَا إِذْ سَلْبُ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى سَلْبِ أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا قَالُوهُ فِي {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦] فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ ذِي فَزَعٍ كَمَا أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ بِذِي ظُلْمٍ أَقُولُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ بَقَاءَ أَصْلِ الْفَزَعِ غَيْرُ مَنْفِيٍّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ بَلِ النَّفْيُ مُنْصَبٌ عَلَى شِدَّةِ الْفَزَعِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مَشْغُوبٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مُدَّعَاهُ (ثُمَّ يُقَالُ) ، أَيْ: لَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (" فِيمَ كُنْتَ ") أَيْ فِي أَيِّ دِينٍ عِشْتَ (فَيَقُولُ: كُنْتُ فِي الْإِسْلَامِ) . هَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ خِلَافَ الْمُنَافِقِ لِأَنَّ الْجَوَابَ الظَّاهِرَ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِسْلَامِ (فَيُقَالُ) : أَيْ لَهُ (مَا هَذَا الرَّجُلُ) : مَا: اسْتِفْهَامٌ مُبْتَدَأٌ وَهَذَا الرَّجُلُ خَبَرُهُ، أَيْ مَا وَصْفُهُ وَنَعْتُهُ؟ أَوْ مَا اعْتِقَادُكَ فِيهِ (فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ) ، أَيْ: صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ الْمُفَخَّمِ الْمُشْتَهِرِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ (رَسُولُ اللَّهِ) : وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُحَمَّدٍ، وَالْجُمْلَةُ مَقُولٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَنْ وَصْفِهِ. وَقَوْلُهُ: (جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ) ، أَيِ: الْآيَاتِ الظَّاهِرَاتِ أَوِ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صِفَةً وَجَاءَنَا خَبَرًا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ أَوْ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ (فَصَدَّقْنَاهُ) ، أَيْ: بِجَمِيعِ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ؟) : قِيلَ: نَشَأَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَيْ: كَيْفَ تَقُولُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ فَهَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا؟ (فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي) ، أَيْ: لَا يَصِحُّ (لِأَحَدٍ) : جَوَابٌ بِالْأَعَمِّ فَإِنَّهُ لِلْمَقْصُودِ أَتَمٌّ (أَنْ يَرَى اللَّهَ) ، أَيْ: يُبْصِرَهُ بِبَصَرِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُحِيطَ بِكُنْهِهِ مُطْلَقًا (فَيُفْرَجُ لَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ، وَكِلَاهُمَا عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، أَيْ: يُكْشَفُ وَيُفْتَحُ لَهُ (فُرْجَةً) : بِضَمِّ الْفَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي (قِبَلَ النَّارِ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ: جِهَتَهَا؛ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ يُرْفَعُ الْحُجُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَرَاهَا (فَيَنْظُرُ) ، أَيِ: الْمُؤْمِنُ (إِلَيْهِ) : ذُكِّرَ ضَمِيرُ النَّارِ بِتَأْوِيلِ الْعَذَابِ، وَأُنِّثَ فِي قَوْلِهِ (يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا) : نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ وَالْحَطْمُ: الْحَبْسُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَضَايِقِ الَّذِي يَتَحَطَّمُ فِيهِ الْخَيْلُ، أَيْ: يَدُوسُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْمَعْنَى: يَكْسِرُ وَيَغْلِبُ وَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا لِشِدَّةٍ تَلَهُّبِهَا وَكَثْرَةِ وَقُودِهَا (فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ) ، أَيْ: حَفِظَكَ بِحِفْظِهِ تَعَالَى إِيَّاكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تَجُرُّ إِلَى النَّارِ (ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةً قِبَلَ الْجَنَّةِ) : وَفِي تَقْدِيمِ فُرْجَةُ النَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَسَرَّةَ بَعْدَ الْمَضَرَّةِ أَنْفَعُ وَفِي النَّفْسِ أَوْقَعُ، وَإِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِهِ بَعْدَ ظُهُورِ عَدْلِهِ (فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا) ؟ بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ حُسْنِهَا وَبَهْجَتِهَا (وَمَا فِيهَا) : مِنَ الْحُورِ وَالْقُصُورِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ وَالْمُلْكِ الْكَبِيرِ (فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ) ، أَيْ: فِي الْعُقْبَى (عَلَى الْيَقِينِ) : حَالٌ، وَالْعَامِلُ مَا فِي حَرْفِ التَّنْبِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِصَاحِبِ الْحَالِ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْيَقِينِ لِلْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: (كُنْتَ) :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute