وَالتَّغَمُّدُ السَّتْرُ أَيْ: يَسْتُرُنِي بِرَحْمَتِهِ وَيَحْفَظُنِي كَمَا يُحْفَظُ السَّيْفُ بِالْغِمْدِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَهُوَ الْغِلَافُ، وَيَجْعَلُ رَحْمَتَهُ مُحِيطَةً بِي إِحَاطَةَ الْغِلَافِ لِلسَّيْفِ، وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّمَا يُفِيدُ إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ وَالْفَوْزُ بِالثَّوَابِ لِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالْعَمَلُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعِدُّ الْعَامِلَ لِأَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ وَيُقَرِّبَ الرَّحْمَةَ إِلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ: (فَسَدِّدُوا) أَيْ: بَالِغُوا فِي التَّسْدِيدِ وَإِصَابَةِ الصَّوَابِ، وَفِعْلِ السَّدَادِ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] أَيْ: صَوَابًا وَعَدْلًا (وَقَارِبُوا) أَيْ: حَافِظُوا الْقَصْدَ فِي الْأُمُورِ بِلَا غُلُوٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، أَوْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ بِكَثْرَةِ الْقُرُبَاتِ ; لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ لَكُمُ الْمَلَالَةُ فِي الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ (وَاغْدُوا وَرُوحُوا) أَيِ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاذْكُرُوهُ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَذَا فِي النُّسَخِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الدُّلْجَةُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: سَيْرُ اللَّيْلِ: وَفِي الْقَامُوسِ: الدُّلْجَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: السَّيْرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَقَدْ أَدْلَجُوا فَإِنْ سَارُوا مِنْ آخِرِهِ فَادَّلَجُوا بِالتَّشْدِيدِ، وَشَيْءٌ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مُقَدَّرٌ أَيِ: اعْمَلُوا فِيهِ، أَوْ مَطْلُوبٌ عَمَلُكُمْ فِيهِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَلْيَكُنْ شَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَجْرُورٌ لِعَطْفِهِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيِ: اعْمَلُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: (شَيْئًا) مَنْصُوبٌ لِمَحْذُوفٍ أَيِ: افْعَلُوا. اهـ. لَكِنْ يُسَاعِدُهُ رَسْمُ الْكِتَابِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ هَذِهِ الْأَوْقَاتَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَوَجُّهٌ إِلَى مَقْصِدٍ وَسَعْيٌ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ بِالسُّلُوكِ وَالسَّيْرِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ (وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ) أَيِ: الْزَمُوا التَّوَسُّطَ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَقِيلَ: أَيِ الْزَمُوا الْقَصْدَ فِي الْعَمَلِ، وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الطَّرِيقِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ (يَبْلُغُوا) أَيِ: الْمَنْزِلَ مَجْزُومٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: بَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ الْعَمَلَ لَا يُنْجِي إِيجَابًا لِئَلَّا يَتَّكِلُوا عَلَيْهِ، وَحَثَّ آخِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِئَلَّا يُفَرِّطُوا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ ; بَلِ الْعَمَلُ أَدْنَى إِلَى النَّجَاةِ فَكَأَنَّهُ مُعِدٌّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute