الْأَرْبَعَةِ يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْجَزْمِ عَلَى سَهْوِ الْبَغَوِيِّ. (وَإِنْ رَأَيْتَ) أَيْ: أَبْصَرْتَ، أَوْ عَرَفْتَ أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي الْمِشْكَاةِ، وَأَصْلِهَا مَعَ أُصُولِهِمَا (اخْتِلَافًا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ) أَيْ: فِي مَتْنِهِ لَا إِسْنَادِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْمِشْكَاةِ مُخَالِفًا لِلَفْظِ الْمَصَابِيحِ (فَذَلِكَ) أَيِ: الِاخْتِلَافُ نَاشِئٌ (مِنْ تَشَعُّبِ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ) أَيْ: مِنَ اخْتِلَافِ أَسَانِيدِهَا، وَرُوَاتِهَا حَتَّى عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ الْوَاحِدِ إِذْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ لِلشَّيْخَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا سَوْقُ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي تَارَةً، وَمُؤْتَلَفَتِهَا أُخْرَى (وَلَعَلِّي) : لِلْإِشْفَاقِ، أَيْ: إِذَا وَجَدْتَنِي آثَرْتُ لَفْظَ حَدِيثٍ عَلَى الَّذِي رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَصَابِيحِ لَعَلِّي (مَا اطَّلَعْتُ) أَيْ: مَا وَقَفْتُ (عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي سَلَكَهَا الشَّيْخُ) أَيْ: أَطْلَقَهَا، وَأَوْرَدَهَا فِي مَصَابِيحِهِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : إِذْ هُوَ إِمَامٌ كَبِيرٌ، وَاطِّلَاعُهُ كَثِيرٌ، فَأَحْذِفُهَا، وَآتِي بِاللَّفْظِ الَّذِي اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ (وَقَلِيلًا مَا تَجِدُ) : زِيَادَةُ مَا لِتَأْكِيدِ الْقِلَّةِ، وَنَصَبَ قَلِيلًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِقَوْلِهِ: (أَقُولُ) أَيْ: وَتَجِدُنِي أَقُولُ قَوْلًا قَلِيلًا مَا أَيْ: فِي غَايَةٍ مِنَ الْقِلَّةِ، وَالْمَقُولُ قَوْلُهُ: (مَا وَجَدْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ) أَيْ: مَثَلًا (فِي كُتُبِ الْأُصُولِ) أَيْ: أُصُولِ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ السَّبْعَةِ عِنْدَ الشَّيْخِ، أَوْ مُطْلَقِ الْأُصُولِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُنْصَبَ قَلِيلًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (أَوْ وَجَدْتَ) : مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ، وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ (خِلَافَهَا فِيهَا) أَيْ: خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُصُولِ (فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: (أَقُولُ) أَيْ: إِذَا اطَّلَعْتَ عَلَى قَوْلِي بِمَعْنَى مَقُولِيْ (هَذَا فَانْسُبْ) : بِضَمِّ السِّينِ أَيْ: مَعَ هَذَا (الْقُصُورَ) أَيِ: التَّقْصِيرَ فِي التَّتَبُّعِ (إِلَيَّ لِقِلَّةِ الدِّرَايَةِ) أَيْ: دِرَايَتِي، وَتَتَبَّعْ رِوَايَتِي (لَا) أَيْ: لَا تَنْسُبِ الْقُصُورَ (إِلَى جَانِبِ الشَّيْخِ) أَيْ: إِلَى جَانِبِهِ، وَسَاحَةِ بَابِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، وَالْعُلَمَاءِ الْكَامِلِينَ الرَّاسِخِينَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (فَإِذَا وَقَفْتَ) أَيْ: فَإِذَا حَذَفْتُ لَفْظًا وَأَتَيْتُ بِغَيْرِهِ حَسْبَمَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، وَوَقَفْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الْأُصُولِ فَانْسُبْ إِلَيَّ آخِرَهُ. وَأَنَا أَقُولُ أَيْضًا فَانْسُبِ الْقُصُورَ إِلَيَّ لَا إِلَى الشَّيْخِ (رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ) : جُمْلَةٌ دِعَائِيَّةٌ (فِي الدَّارَيْنِ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا بِإِلْهَامِ النَّاسِ التَّرَضِّي، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ، وَفِي الْعُقْبَى بِإِعْطَائِهِ مَعَالِمَ الْقُرْبِ لَدَيْهِ (حَاشَا) : بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ (لِلَّهِ) أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ نِسْبَةِ الْقُصُورِ إِلَى الشَّيْخِ، وَهَذَا غَايَةٌ مِنَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَعْظِيمِهِ، وَنِهَايَةُ أَدَبٍ مِنْهُ فِي تَكْرِيمِهِ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِذَلِكَ، وَزِيَادَةٌ، فَإِنَّ لَهُ حَقَّ الْإِفَادَةِ، وَنِسْبَةَ السِّيَادَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَاشَا: حَرْفُ جَرٍّ وُضِعَتْ مَوْضِعَ التَّنْزِيهِ وَالْبَرَاءَةِ، وَفِي مُغْنِي اللَّبِيبِ: الصَّحِيحُ أَنَّ حَاشَا اسْمٌ مُرَادِفٌ لِلتَّنْزِيهِ مِنْ كَذَا. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ التَّبَرِّي، وَالْبَرَاءَةُ. وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ تَنْزِيهٌ، وَاسْتِثْنَاءٌ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: مَعَاذَ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ فِعْلٌ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ. قِيلَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمٌ مُرَادِفٌ لِلتَّنْزِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قُرِئَ حَاشَ لِلَّهِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ بِالتَّنْوِينِ، وَهُوَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، وَقُرِئَ أَيْضًا حَاشَ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ الِاسْمِ، وَحِينَئِذٍ لَهُ: (لِلَّهِ) لِبَيَانِ الْمُنَزَّهِ، وَالْمُبَرَّأِ كَأَنَّهُ قَالَ: بَرَاءَةٌ وَتَنْزِيهٌ. ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ بَيَانًا لِلْمُبَرَّأِ وَالْمُنَزَّهِ، فَلَامُهُ كَاللَّامِ فِي سُقْيًا لَكَ، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ: مَعْنَى عِبَارَةِ الْمِشْكَاةِ: إِنَّ الشَّيْخَ مُبَرَّأٌ، وَمُنَزَّهٌ عَنْ قِلَّةِ الدِّرَايَةِ، ثُمَّ أَتَى لِبَيَانِ الْمُنَزَّهِ، وَالْمُبَرَّأِ، وَلَهُ: (لِلَّهِ) ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ بِلَا لَامٍ، وَكَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: تَنْزِيهُهُ مُخْتَصٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ أَنْ يُنَزِّهَهُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ غَايَةُ التَّعْظِيمِ لِمَا هُنَالِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَأَقُولُ فِي حَقِّهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute