للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

التَّنْزِيهُ لِلَّهِ لَا لِأَمْرٍ آخَرَ. وَقِيلَ: حَاشَا فِعْلٌ، وَفَسَّرَ الْآيَةَ بِأَنَّ مَعْنَاهَا جَانَبَ يُوسُفُ الْفَاحِشَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ، وَعَلَى هَذَا يُرْجِعُ عَبَّارَةَ الْمِشْكَاةِ بِأَنَّهُ: جَانَبَ الشَّيْخُ ذَلِكَ الْقُصُورَ لِأَجْلِ اللَّهِ، لَا لِغَرَضٍ آخَرَ، أَوْ قَوْلُنَا فِي حَقِّهِ: حَاشَا إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ لَا لِأَمْرٍ آخَرَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أُنَزِّهُ، أَوْ تَبَرَّأَتْ، وَاللَّامُ عِلَّةٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ حَرْفٌ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَقَامِ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْفًا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ هُنَا، وَلَامُ لِلَّهِ أَيْضًا يَأْبَى عَنِ الْحَرْفِيَّةِ ; لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحَرْفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَحِمَ اللَّهُ) : جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ، كَقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا أَهْدَى إِلَيَّ بِعُيُوبِ نَفْسِي، أَيِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ (مَنْ إِذَا وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى مَا ذَكَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الشَّيْخُ، وَلَمْ أَجِدْهَا فِي الْأُصُولِ - (نَبَّهَنَا عَلَيْهِ وَأَرْشَدَنَا) : فِيهِ تَجْرِيدٌ، وَالْمَعْنَى: هَدَانَا (طَرِيقَ الصَّوَابِ) أَيْ: إِلَيْهِ بِنِسْبَةِ الرِّوَايَةِ، وَتَصْحِيحِهَا إِلَى الْبَابِ وَالْكِتَابِ، وَهُوَ إِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِالْمُشَافَهَةِ حَالَ الْحَيَاةِ، أَوْ عَلَى الْمَجَازِ بِكِتَابَةِ حَاشِيَةٍ، أَوْ شَرْحٍ بَعْدَ الْمَمَاتِ ; إِذِ التَّصْنِيفُ لَا يُغَيَّرُ، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ كِتَابٌ يُعْتَبَرُ (وَلَمْ آلُ) : بِمَدِّ الْهَمْزَةِ، وَضَمِّ اللَّامِ مِنْ: أَلَا فِي الْأَمْرِ إِذَا قَصَّرَ، أَيْ: لَمْ أَتْرُكْ (جُهْدًا) أَيْ: سَعْيًا وَاجْتِهَادًا، وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهِ، أَيِ: الْمَشَقَّةُ وَالطَّاقَةُ، وَقِيلَ: بِالضَّمِّ الطَّاقَةُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: مَعْنَاهُ لَمْ أَمْنَعْكَ جُهْدًا، وَكَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: لَا آلُوكَ نُصْحًا، وَقَرَّرَ تَرْكِيبَ الْعِبَارَةِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ، وَاسْتَعْمَلَ آلُو بِمَعْنَى أَمْنَعُ إِمَّا تَجَوُّزًا، وَإِمَّا تَضْمِينًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّقْصِيرُ. وَالْحَالُ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى اللُّزُومِ صَحِيحٌ بِأَنَّ جُهْدًا يَكُونُ تَمْيِيزًا، أَوْ حَالًا بِمَعْنَى مُجْتَهِدًا، أَوْ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي الِاجْتِهَادِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَضْمَنَ التَّرْكَ ; فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨] أَيْ: لَا يُقَصِّرُونَ لَكُمْ فِي الْفَسَادِ، وَالْأَلْوُ: التَّقْصِيرُ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُعَدَّى بِالْحَرْفِ، ثُمَّ عُدِّيَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِهِمْ: لَا آلُوكَ نُصْحًا، عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى الْمَنْعِ وَالنَّقْصِ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يَأْلُو يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَخَبَالًا تَمْيِيزٌ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْأَظْهَرُ مَا حَقَّقَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ فِي أَصْلِهِ لَازِمٌ، فَفِي عِبَارَةِ الْمِشْكَاةِ إِمَّا يُضَمَّنُ مَعْنَى التَّرْكِ فَيَكُونُ جُهْدًا مَفْعُولًا بِهِ، أَوْ يَبْقَى عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، وَيُنْصَبُ (جُهْدًا) عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ، وَالْمَعْنَى: لَمْ أُقَصِّرْ لَكُمْ، أَوْ لِلَّهِ (فِي التَّنْقِيرِ) أَيْ: فِي الْبَحْثِ، وَالتَّجَسُّسِ عَنْ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ، وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا (وَالتَّفْتِيشِ) : عَطْفُ بَيَانٍ لِمَا قَبْلَهُ (بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ) أَيْ: بِمِقْدَارِ وُسْعِي وَطَاقَتِي فِي التَّفَحُّصِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَالطَّاقَةُ عَطْفُ بَيَانٍ، وَإِيرَادُ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ فِي الدِّيبَاجَاتِ وَالْخُطَبِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ الْفُصَحَاءِ، غَيْرُ مُعَايَبٍ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ (وَنَقَلْتُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ) أَيِ: الْمُخْتَلِفَ فِيهِ (كَمَا وَجَدْتُ) أَيْ: كَمَا رَأَيْتُهُ (فِي الْأُصُولِ) : وَلَا اكْتَفَيْتُ بِتَقْلِيدِ الشَّيْخِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ مِنْ أَجِلَّاءِ أَرْبَابِ النُّقُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: وَمِنْ ثَمَّةَ نَقَلْتُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ كَمَا وَجَدْتُهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتَصَرَّفَ فِيهِ بِتَغْيِيرٍ، أَوْ بِتَبْدِيلٍ حَتَّى أَنْسُبَ كُلًّا إِلَى مُخْرِجِهِ بِاللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى لَا الْمَعْنَى فَحَسْبُ ; لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي جَوَازِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ وَإِنْ جَازَ - عَلَى الْأَصَحِّ لِلْعَارِفِ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَعَانِيهَا - لَكِنَّ التَّنَزُّهَ عَنْهَا أَوْلَى خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ اهـ. فَتَدَبَّرْ يَتَبَيَّنْ لَكَ الْأَظْهَرُ فِي حَمْلِ الْعَبَّارَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْكَلَامِ مِنْهُ لَا مُنَاقَشَةَ لَنَا لَدَيْهِ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيزَ الْمَذْكُورَ، وَالِاخْتِلَافَ الْمَسْطُورَ إِنَّمَا هُوَ فِي نَقْلِ الرَّاوِي الْحَدِيثَ مِنْ شَيْخِهِ إِمَّا مُطْلَقًا، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا نَقْلُ حَدِيثٍ مِنْ كِتَابٍ كَالْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَإِسْنَادُهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ نَقَلَ بِالْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ) أَيِ: الشَّيْخُ مُحْيِي السُّنَّةِ صَرِيحًا، أَوْ كِنَايَةً - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) -: جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبَيِّنِ، وَالْمُبَيَّنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (مِنْ غَرِيبٍ) أَيْ: حَدِيثٍ غَرِيبٍ: وَهُوَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الرَّاوِي عَنْ سَائِرِ رُوَاتِهِ، وَلَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>