٢٣٧٦ - «وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الثَّانِيَةَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] ، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ، رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
٢٣٧٦ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ) أَيِ: النَّاسَ وَيَعِظُهُمْ (عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ) أَيْ: وَالْحَالُ إِنَّهُ (يَقُولُ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) أَيْ: مَوْقِفَهُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْعِبَادُ لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ أَيْ: وَلِمَنْ خَافَ مِنَ الْقِيَامِ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦] وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَائِمٌ عَلَيْهِ أَيِ: حَافِظٌ مُهَيْمِنٌ مِنْ قَوْلِهِ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} [الرعد: ٣٣] الْآيَةَ فَهُوَ يُرَاقِبُ ذَلِكَ وَلَا يَجْرُأُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي مَوْقِفَ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (جَنَّتَانِ) أَيْ: جَنَّتَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ إِلَى آخِرِ صِفَاتِهِمَا الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّهُمَا أَعْلَى مِنَ الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بَعْدَهَا مِنَ الْجِنَانِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ وَمِنْ دُونِهِمَا أَيْ: فِي الْمَرْتَبَةِ وَالنَّعِيمِ وَالشَّرَفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ خَوْفَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى دَوَامِ مُرَاقَبَةِ الْحَقِّ وَإِدْمَانِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُوصِلَةِ لَهُ إِلَى مَقَامَيْنِ عَالِيَيْنِ، قِيلَ: جَنَّةٌ لِعَمَلِ الطَّاعَةِ وَجَنَّةٌ لِتَرْكِ السَّيِّئَةِ، وَقِيلَ: جَنَّةٌ لِلثَّوَابِ بِطَرِيقِ الْعَدْلِ، وَجَنَّةٌ لِلِاقْتِرَابِ بِطَرِيقِ الْفَضْلِ، وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: جَنَّةٌ مُعَجَّلَةٌ فِي الدُّنْيَا بِالْحُضُورِ مَعَ الْمَوْلَى وَجَنَّةٌ مُؤَجَّلَةٌ فِي الْآخِرَةِ بِلِقَاءِ الْمَوْلَى وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ جَنَّةٌ مِنَ الذَّهَبِ آنِيَتُهَا وَقُصُورُهَا وَحُلِيُّهَا وَغَيْرُهَا، وَجَنَّةٌ مِنَ الْفِضَّةِ كَذَلِكَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جَنَّةٌ لِلسَّابِقِينَ وَجَنَّةٌ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَوْ جَنَّةٌ عَنْ يَمِينِهِمْ وَجَنَّةٌ عَنْ يَسَارِهِمْ (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) (إِنْ) وَصَلْيَةٌ أَيْ: وَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ، الْخَائِفُ لَهُ جَنَّتَانِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ قَبْلَ هَذَا الْخَوْفِ نَحْوُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَيَصِحُّ عَلَى بُعْدٍ وَإِنْ فَعَلَهَا مَعَ هَذَا الْخَوْفِ وَوَجَّهَ بَعْدَهُ اجْتِمَاعَ هَذَا الْخَوْفِ وَفِعْلَ ذَيْنِكَ وَأَمْثَالِهِمْ. اهـ. وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ الْمُفِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ ; فَإِنَّ مَا سَبَقَ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى الرُّجُوعِ وَالتَّوْبَةِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَغْرَبُ مِنْهُ (فَقَالَ الثَّانِيَةَ) أَيْ: فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ فِي التَّأْكِيدِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] ، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ الثَّالِثَةَ: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنَّ، رَغِمَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ، أَيْ: لَصِقَ بِالتُّرَابِ ذُلًّا وَهَوَانًا (أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَضُبِطَ بِفَتْحِهَا، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذَلَّ، وَقِيلَ اضْطَرَبَ، وَقِيلَ غَضِبَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَائِفِ الْمُؤْمِنُ، فَيَكُونُ نَظِيرَ حَدِيثٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا ( «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنَّ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» ) كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا يَعْنِي مَنْ خَافَ اللَّهَ فِي مَعْصِيَةٍ فَتَرَكَهَا يُعْطِيهُ اللَّهُ أَجْرَ غَفْرِ تِلْكَ الزَّنْيَةَ وَالسَّرِقَةَ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute