٢٣٨٥ - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ " يَا فُلَانُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، إِلَى قَوْلِهِ أَرْسَلْتَ، وَقَالَ: فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢٣٨٥ - (وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ» ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ: جَانِبِهِ (الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ) أَيْ: أَخْلَصْتُ (نَفْسِي) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ: ذَاتِي (إِلَيْكَ) أَيْ: مَائِلَةً إِلَى حُكْمِكَ (وَوَجَّهْتُ وَجْهِي) أَيْ: وَجْهِي وَقَصْدَ قَلْبِي (إِلَيْكَ) وَجَعَلْتُ وَجْهِي إِلَى قِبْلَتِكَ، وَقِيلَ: النَّفْسُ وَالْوَجْهُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ، يَعْنِي جَعَلْتُ ذَاتِي طَائِعَةً لِحُكْمِكَ وَمُنْقَادَةً لَكَ، وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ: إِنَّ أَسْلَمْتُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَوَارِحَهُ مُنْقَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، مُسْتَقِيمٌ غَايَةَ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ ابْنِ حَجَرٍ بِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ نَوْمٍ وَهُوَ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الطِّيبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُرِيدُ حِينَ تَحَقَّقَ النَّوْمُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ; بَلْ مُرَادُهُ إِمَّا قَبْلَ النَّوْمِ مُطْلَقًا، أَوْ حِينَ إِرَادَةِ النَّوْمِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ يَنْبَغِي أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيَنَامَ مُطِيعًا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ الطِّيبِيِّ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أُمُورَهُ الْخَارِجَةَ وَالدَّاخِلَةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْهِ، لَا مُدَبِّرَ لَهَا غَيْرُهُ اهـ. وَالْمَعْنَى: تَوَكَّلْتُ فِي أَمْرِي كُلِّهِ عَلَيْكَ (وَأَلْجَأْتُ) أَيْ أَسْنَدْتُ (ظَهْرِي إِلَيْكَ) أَيْ: إِلَى حِفْظِكَ لِمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا سَنَدَ يُتَقَوَّى بِهِ سِوَاكَ وَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا إِلَّا حِمَاكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ أُمُورِهِ الَّتِي هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا وَبِهَا مَعَاشُهُ وَعَلَيْهَا مَدَارُ أَمْرِهِ، مُلْتَجِئٌ إِلَيْهِ مِمَّا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ (رَغْبَةً وَرَهْبَةً) قِيلَ: مَفْعُولٌ لَهُمَا لِأَلْجَأْتُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْصُوبَانِ عَلَى الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ أَيْ: فَوَّضْتُ أُمُورِي طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي مِنَ الْمَكَارِهِ إِلَيْكَ مَخَافَةً مِنْ عَذَابِكَ اهـ. وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ ; بَلْ صَنْعَةُ بَدِيعٍ، وَأَبْدَعَ ابْنُ حَجَرٍ بِالتَّعَرُّضِ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا تَحَكُّمٌ، وَالْوَجْهُ بَلِ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ مُعَلَّلٌ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ نَصْبَهُمَا عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ: رَاغِبًا وَرَاهِبًا، أَوِ الظَّرْفِيَّةِ أَيْ: فِي مَجَالِ الطَّمَعِ وَالْخَوْفِ، يَتَنَازَعُ فِيهِمَا الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ كُلُّهَا، وَقَوْلُهُ: (إِلَيْكَ) إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِرَغْبَةً وَهِيَ السِّعَةُ فِي الْإِرَدَاةِ، وَمُتَعَلِّقُ رَهْبَةً مَحْذُوفٌ أَيْ: مِنْكَ وَهِيَ الْمَخَافَةُ مَعَ التَّحَرُّزِ وَالِاضْطِرَابِ وَإِمَّا بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مُتَوَجِّهًا بِهِمَا إِلَيْكَ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ: أَيْ طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِكَ، وَإِلَيْكَ مُتَعَلِّقٌ بِرَغْبَةً كَقَوْلِهِمْ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا اهـ. وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَنَازَعَا فِي إِلَيْكَ أَيْ: رَغْبَتِي إِلَيْكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَرَهْبَتِي إِلَيْكَ، بِمَعْنَى إِنِّي حَالَةَ الْخَوْفِ لَا أَرْجِعُ إِلَّا إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ ( «لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» ) مَلْجَأٌ مَهْمُوزٌ وَمَنْجَا مَقْصُورٌ، وَقَدْ يُهْمَزُ مَنْجَا لِلِازْدِوَاجِ وَقَدْ يُعْكَسُ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَالْمَعْنَى لَا مَهْرَبَ وَلَا مَلَاذَ وَلَا مَخْلَصَ مِنْ عُقُوبَتِكَ إِلَّا إِلَى رَحْمَتِكَ وَهَذَا مَعْنَى مَا وَرَدَ " أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ " وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَا مَنْجَا مَقْصُورٌ وَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ عَصَا، فَإِنْ قُلْتَ: فَهُوَ يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ أَوْ بِغَيْرِهِ، قُلْتُ: فِي هَذَا التَّرْكِيبِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ مِثْلُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَصْبِهِ وَفَتْحِهِ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ، وَعِنْدَ التَّنْوِينِ تَسْقُطُ الْأَلِفُ، قَالَ: وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا إِنْ كَانَا مَصْدَرَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَا مَكَانَيْنِ فَلَا، إِذِ اسْمُ الْمَكَانِ لَا يَعْمَلُ، وَتَقْدِيرُهُ لَا مَلْجَأَ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا إِلَيْكَ وَلَا مَنْجَا إِلَّا إِلَيْكَ (آمَنْتُ) اسْتِئْنَافٌ فِيهِ تَعْلِيلٌ (بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ) أَيْ: عَلَيَّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْحَاثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْبَهِيَّةِ وَسَائِرِ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَالْحَالَاتِ السَّنِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَنْتُ بِكِتَابِكَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، وَلَمَّا غَفَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ اعْتَرَضَ عَلَى الطِّيبِيِّ بِقَوْلِهِ: لَا تَعْمِيمَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حِينِ ثَبَاتٍ لَا عُمُومَ فِيهِ كَالنَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ، فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ وَجْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute