الْخَلَلِ (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) وَفِي نُسْخَةٍ بِنَبِيِّكَ، وَإِنَّمَا آمَنَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولًا حَقًّا فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ: " وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " وَلَمَّا تَضَمَّنَ الْإِيمَانُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُلُومَ الْخَاصَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: تَخْصِيصٌ مِنَ التَّخْصِيصِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا قَرَّرَهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوْضَحِ عِنْدَهُ، وَقَالَ: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَأَمُّلِ مَا قَالَهُ وَمَا قُلْتُهُ، قُلْتُ: لَوْ تَأَمَّلَ مَا احْتَاجَ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ فَتَأَمَّلْ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلْ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَهُنَّ) أَيِ: الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ (ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ) أَيْ تَحْتَ حَادِثَةٍ فِيهَا، وَمِنْ أَعْجَبِ الْعُجَابِ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: أَيْ عَقِبَ طُلُوعِ فَجْرِهَا، وَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْحَدِيثِ الْآتِي (فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، أَوْ فِي لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا) اعْتَرَضَ عَلَى الطِّيبِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَمَعْنَى تَحْتَ لَيْلَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ إِلَى النَّهَارِ ; لِأَنَّ اللَّيْلَ يُسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارُ فَهُوَ تَحْتَهُ، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى إِنْ مِتَّ تَحْتَ نَازِلَةٍ عَلَيْكَ مِنْ لَيْلَتِكَ أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَا يَحْدَثُ مِنْ لَيْلَتِكَ بِقَوْلِهِ، وَفِي جَمِيعِهِ نَظَرٌ وَكَوْنُ اللَّيْلِ سُلِخَ مِنْهُ النَّهَارُ لَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي مَعْنَى التَّحْتِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، أَوْ يَكُونُ إِلَخْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ، وَالْأَحْسَنُ عِنْدَهُ أَنَّ سَبَبَ التَّعْبِيرِ بِالتَّحْتِ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ لِبَاسًا فَالنَّاسُ مَغْمُورُونَ وَمَسْتُورُونَ تَحْتَهُ كَالْمَسْتُورِ تَحْتَ ثِيَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَهَذَا مَعْنًى وَاضِحٌ جِدًّا ; فَالْعُدُولُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عُدُولٌ عَنِ الْجَوْهَرِ إِلَى الصُّدَفِ، قُلْتُ: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَوَّلًا، وَهُوَ مَعْنَى يُسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارُ، فَالْجِلْدُ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِاللِّبْسِ فَمُؤَدَّى مَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ آخِرًا يُنَاقِضُ تَفْسِيرَهُ أَوَّلًا، وَكَانَ سَبَبُ الِاعْتِرَاضَاتِ: عَجَبَهُ وَغُرُورَهُ بِالْفِقْهِيَّاتِ، وَجَهْلَهُ بِدَقَائِقِ الصِّنَاعَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ، وَعَدَمَ فَهْمِهِ بِحَقَائِقِ الِاعْتِبَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ قَالَ فِي حَقِّ الطِّيبِيِّ: سَبَبُ وُقُوعِهِ فِيمَا عَلِمَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي رَدَدْتُهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوَّلَ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ فِيهِ غَرَائِبَ وَعَجَائِبَ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الثِّقَاتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ تَبَجُّحًا فَلَمْ يُصِبِ الْجَادَّةَ الْوَاضِحَةَ فِي أَكْثَرِ شَرْحِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ مَا ذَكَرَهُ وَمَا ذَكَرْتُهُ اهـ. وَبِتَأَمُّلِ كَلَامَيْهِمَا ظَهَرَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَيْثُ مَا بَلَغَ فَهْمَ الْمُتَعَقَّبِ وَهْمُ عَقِبِهِ مِنْ تَحْقِيقِ أَرَبِهِ وَتَدْقِيقِ أَدَبِهِ لَوْلَا شَرْحُهُ - شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ، وَفَتَحَ قَبْرَهُ - لَمَا فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِهِ مَا قَبْلَهُ، وَالْفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَالْأَجْرُ الْكَامِلُ لَهُ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ كَانَ تَحَدُّثًا لَا تَبَجُّحًا، وَعَلَامَةُ صِدْقِهِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِمَّنْ زَيَّنَ كَلَامَهُ وَبَيَّنَ مَرَامَهُ رَاجِيًا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي سِلْكِ مَنْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّهِ ( «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ، هَذَا وَلَوْ تُتُبِّعَ شَرْحُ ابْنِ حَجَرٍ وَتُفُحِّصَ مِنْهُ الْعُجَرُ وَالْبُجَرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا فُرُوعٌ فِقْهِيَّةٌ أَوْ كَلِمَاتٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْصَافِ نِسْبَةُ الْحَلَوِيَّاتِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِسْنَادُ الْمُرِّيَاتِ عَلَى زَعْمِهِ لِأَخِيهِ ; بَلْ لِنَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا نَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ فِي رَمْسِهِ (مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيِ: الْإِسْلَامِ (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ) أَيِ: الْبَرَاءُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ:) قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ (يَا فُلَانُ إِذَا أَوَيْتَ) أَيْ: قَصَدْتَ الْمَأْوَى (إِلَى فِرَاشِكَ) أَيْ: لِلنَّوْمِ، وَلِهَذَا قَالَ: أَيْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ فِرَاشَكَ مَكَانَ نَوْمِكَ (فَتَوَضَّأْ) أَمْرُ نَدْبٍ (وُضُوءَكَ) أَيْ: وُضُوءً كَامِلًا مِثْلَ وُضُوئِكَ لِلصَّلَاةِ، ( «ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ» ) فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَنِ ( «ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، إِلَى قَوْلِهِ: أَرْسَلْتَ» ، وَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الْبَرَاءِ، عُطِفَ عَلَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ الْبَرَاءُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَالَ لَكِنَّهُ مُوهِمٌ لِلْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ مَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَيُؤَيَّدُ الرَّفْعَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلصَّحَابِيِّ، وَلَيْسَ لِلصَّحَابِيِّ أَنْ يُخَاطِبَ مِثْلَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ (فَإِنْ مِتَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا (مِنْ لَيْلَتِكَ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي لَيْلَتِكَ (مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيْ: عَلَى التَّوْحِيدِ (وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا) أَيْ خَيْرًا كَثِيرًا، أَوْ خَيْرًا فِي الدَّارَيْنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي بَعْضِ طُرُقِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute