للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قُلْتُ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَقَالَ وَنَبِيِّكَ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ وَرَسُولِكَ لَمْ يَبْقَ يُفِيدُ قَوْلُهُ: الَّذِي أَرْسَلْتَ، إِلَّا مَحْضَ التَّأْكِيدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِأَنَّ الْبَيَانَ صَارَ مُكَرَّرًا مِنْ غَيْرِ إِفَادَةِ زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ الْبَلِيغُ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ فَائِدَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِأَنْ يُقَالَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ إِلَيْنَا أَوْ أَرْسَلْتَهُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً مَعَ أَنَّ التَّأْكِيدَ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ - فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٣٨ - ٢٦] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَا مِنْ صُبْحٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ) فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خِلَافًا لِمَا وَهِمَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي وَجْهِ الرَّدِّ أَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْوَارِدَةَ لَا تُغَيَّرُ عَنْ أَلْفَاظِهَا وَكَذَا الْأَحَادِيثُ، وَفِي مَعْنَاهَا التَّصَانِيفُ، وَإِنَّمَا جَازَ نَقْلُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ بِنِسْيَانِ لَفْظِهِ فَإِنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ، وَأَمَّا نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى مَعَ حِفْظِهِ لَفْظَهُ فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ) وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلَابُدَّ أَيْضًا مِنْ مُرَاعَاةِ الْقَوَاعِدِ النَّحْوِيَّةِ وَمُحَافَظَةِ الْمَخَارِجِ وَالصِّفَاتِ الْحَرْفِيَّةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: النَّبِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ النَّبَأِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ تَحْقِيقُ الْهَمْزِ وَتَخْفِيفُهُ النَّبِيُّ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَاوَةِ وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُرْتَفِعُ، وَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَرَاءِ حِينَ قَالَ وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ لِيَخْتَلِفَ اللَّفْظَانِ وَيَجْتَمِعَ الثَّنَاءُ بَيْنَ مَعْنَى الِارْتِفَاعِ وَالْإِرْسَالِ، وَيَكُونَ تَعْدِيدًا لِلنِّعْمَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَتَعْظِيمًا لِلْمِنَّةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اهـ وَعَلَّلَ النَّهْيَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا قَبْلَ أَنْ كَانَ رَسُولًا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّ النَّوَوِيَّ اسْتَحْسَنَ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ: سَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْأَذْكَارَ تَعَبُّدِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ، وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَتَعَيَّنَ أَدَاؤُهَا كَمَا هِيَ اهـ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوَارُدِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَارِدِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ وَلْيَجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>