٢٤٠٣ - وَعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٢٤٠٣ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ» ) اسْمُ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ مَصْدَرٍ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ» ) أَيِ: الشَّرِيفِ الَّذِي يَدُومُ نَفْعُهُ وَيَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ، وَالْوَجْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الذَّاتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] (وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ) أَيِ: الْكَامِلَاتِ فِي إِفَادَةِ مَا يَنْبَغِي وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ أَوْ آيَاتُهُ الْقُرْآنِيَّةُ وَدَلَالَاتُهُ الْفُرْقَانِيَّةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: خَصَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِالذَّاتِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْكُلَّ تَابِعٌ لِإِرَادَتِهِ وَأَمْرِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ كُنْ (مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ) أَيْ: هُوَ فِي قَبْضَتِكَ وَتَصَرُّفِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: ٥٦] وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ أَيْ: مِنْ شَرِّ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنْ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ، وَقِيلَ: كَنَّى بِالْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ عَنْ فَظَاعَةِ شَأْنِ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ، إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ إِيمَاءً بِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ لِكُلِّ مَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ وَالْمُرْسِلُ لَهُ، لَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَا شَيْءَ يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ، وَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ) أَيْ: تُزِيلُ وَتَدْفَعُ (الْمَغْرَمَ) مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، وَالْمُرَادُ مَغْرَمُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَقِيلَ: مَا اسْتُدِينَ فِيمَا كَرِهَ اللَّهُ، أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ (وَالْمَأْثَمَ) أَيْ: مَا يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ، أَوْ هُوَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ وَضْعًا لِلْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الِاسْمِ ( «اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ» ) أَيْ: لَا يُغْلَبُ وَلَوْ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ (وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَرَفْعِ وَعْدِكَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْخِطَابِ وَالنَّصْبِ وَالْمُرَادُ بِالْوَعْدِ: الْإِخْبَارُ الشَّامِلُ لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ وَعْدُكَ بِإِثَابَةِ الطَّائِعِ بِخِلَافِ تَعْذِيبِ الْعَاصِي فَإِنَّ خُلْفَ الْوَعِيدِ كَرَمٌ وَخُلْفَ الْوَعْدِ بُخْلٌ - فَقَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْعِبَادِ وَلِذَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لِمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنَّمَا عُلِمَ عَدَمُهُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَقْلًا ; لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْحِكْمَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ، وَالْكُفْرُ نِهَايَةٌ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ، وَرَفْعُ الْحُرْمَةِ أَصْلًا فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَدَفْعَ الْغَرَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الْأَخِيرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: ٣٥ - ١٥٤] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١] أَيْ: بِعُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَظُنُونِهِمُ الْكَاسِدَةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْعُمْدَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: تَخْلِيدُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّارِ وَالْكَافِرِينَ فِي الْجَنَّةِ يَجُوزُ عَقْلًا عِنْدَهُمْ أَيِ: الْأَشَاعِرَةِ إِلَّا أَنَّ السَّمْعَ وَرَدَ بِخِلَافِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute