فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ لِدَلِيلِ السَّمْعِ، وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ أَيْ: عَقْلًا أَيْضًا فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ حَجَرٍ مَا عَدَا الْكُفْرَ فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَعَقْلًا، قُلْتُ: مَا عَدَاهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ جَوَازُ خُلْفِ الْوَعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ تَظَاهَرَتْ بَلْ فِي الْمَعْنَى تَوَاتَرَتْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُونَ بِشَفَاعَةِ الْأَبْرَارِ أَوْ بِمَغْفِرَةِ الْغَفَّارِ، هَذَا وَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْفُ الْوَعِيدِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: ٢٩] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: ٢٩] أَيْ: بِوُقُوعِ الْخُلْفِ فِيهِ فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ أُبَدِّلَ وَعِيدِي، وَعَفْوُ الْمُذْنِبِينَ لِبَعْضِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ مِنَ التَّبْدِيلِ، فَإِنَّ دَلَائِلَ الْعَفْوِ تَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْوَعِيدِ اهـ يَعْنِي بِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ فَصَّلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ الْأَدِلَّةِ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ سَمَّيْتُهَا: " الْقَوْلُ السَّدِيدُ فِي خُلْفِ الْوَعِيدِ " (وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (مِنْكَ الْجَدُّ) فُسِّرَ الْجَدُّ بِالْغِنَى فِي أَكْثَرِ الْأَقَاوِيلِ أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى غِنَاهُ مِنْكَ أَيْ: بَدَلَ طَاعَتِكَ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مِنْكَ مَعْنَاهُ: عِنْدَكَ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: ٣٧] وَقِيلَ الْجَدُّ هُوَ: الْحَظُّ وَالْبَخْتُ، رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: جَدِّي فِي النَّخْلِ، وَقَالَ الْآخَرُ: جَدِّي فِي الْإِبِلِ، وَآخَرُ قَالَ: جَدِّي فِي كَذَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ هَذَا الدُّعَاءَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يُنْجِيهُ حَظُّهُ مِنْكَ ; إِنَّمَا يُنْجِيهُ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ، وَقِيلَ، الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَيْ: لَا يَنْفَعُ مُجَرَّدُ النَّسَبِ بَلْ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَأُرِيدَ الْجِدُّ فِي أُمُورِ الدِّينِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُهُ الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ وَرَحْمَتُهُ وَفَتْحُهُ وَبَرَكَتُهُ قَالَ تَعَالَى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: ٢] (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ) أَيْ: أَجْمَعُ بَيْنَ تَنْزِيهِكَ وَتَحْمِيدِكَ وَتَقْدِيسِكَ وَتَمْجِيدِكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute