إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنعام: ١٣] وَفِي رِوَايَةٍ: " وَمَا يُضْحِي فِيهِمَا لِلَّهِ " (وَحْدَهُ) أَيْ: وَمَا يَدْخُلُ فِي وَقْتِ الضَّحْوَةِ، أَوْ مَا يَظْهَرُ وَيَبْرُزُ فِيهِ، لَا صُنْعَ لِغَيْرِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا فِي الصُّورَةِ ( «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ هَذَا النَّهَارِ صَلَاحًا» ) أَيْ: فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا (وَأَوْسَطَهُ نَجَاحًا) أَيْ: فَوْزًا بِالْمَطَالِبِ الْمُنَاسِبَةِ لِصَلَاحِ الدَّارَيْنِ (وَآخِرَهُ فَلَاحًا) أَيْ: ظَفَرًا بِمَا يُوجِبُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَعُلُوَّ الْمَرْتَبَةِ فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَالْأَوْسَطِ اسْتِيعَابُ الْأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ فِي صَرْفِهَا إِلَى الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ لِحُصُولِ حُسْنِ الْحَالَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَوُصُولِ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ فِي الْأُخْرَى، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صَلَاحًا فِي دِينِنَا بِأَنْ يَصْدُرَ مِنَّا مَا نَتَخَرَّطُ بِهِ فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكَ، ثُمَّ اشْغَلْنَا بِقَضَاءِ مَآرِبِنَا فِي دُنْيَانَا لِمَا هُوَ صَلَاحٌ فِي دِينِنَا، فَأَنْجِحْنَا وَاحْمِلْ خَاتِمَةَ أَمْرِنَا بِالْفَوْزِ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَنَنْدَرِجُ فِي سِلْكِ مَنْ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ٥] اهـ وَلِذَا قَالُوا: أَجْمَعُ كَلِمَةٍ فِي الشَّرِيعَةِ كَلِمَةُ الْفَلَاحِ، أَقُولُ: وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: ١] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، ثُمَّ قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ - الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون: ١٠ - ١١] (يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) خَتَمَ بِهَذَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِسُرْعَةِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا " «إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِمَنْ يَقُولُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: إِنَّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ» ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَيْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا حَضَرَ قَلْبُهُ وَرَحِمَهُ رَبُّهُ (ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَإِثْبَاتِهِ (فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بِرِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيِّ) وَذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ فِي الْحِصْنِ بِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَعَ تَغْيِيرٍ يَسِيرٍ " وَفِيهِ «وَأَوْسَطَهُ فَلَاحًا وَآخِرَهُ نَجَاحًا، أَسْأَلُكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute