٢٤٢٠ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى السَّفَرِ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ - وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: ١٣ - ١٤] ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ لَنَا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آئِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٢٤٢٠ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ) أَيِ: اسْتَقَرَّ عَلَى ظَهْرِ مَرْكُوبِهِ (خَارِجًا) أَيْ: مِنَ الْبَلَدِ مَائِلًا أَوْ مُنْتَهِيًا (إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا) وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ عُلُوٍّ وَفِيهِ نَوْعُ عَظَمَةٍ فَاسْتَحْضَرَ عَظَمَةَ خَالِقِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا صَعِدَ عَالِيًا كَبَّرَ وَإِذَا نَزَلَ سَبَّحَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ لِلتَّعَجُّبِ مِنَ التَّسْخِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إِذَا وَضَعَ رَحْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ) فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (ثُمَّ قَالَ) أَيِ: اقْرَأْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَيْ: قَالَ بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ - لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ} [الزخرف: ١٢ - ١٣] أَيْ: ذَلَّلَ (لَنَا هَذَا) أَيِ: الْمَرْكُوبَ فَانْقَادَ لِأَضْعَفِنَا (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) أَيْ: مُطِيقِينَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوِ الْمَعْنَى وَلَوْلَا تَسْخِيرُهُ مَا كُنَّا جَمِيعًا مُقْتَدِرِينَ عَلَى رُكُوبِهِ، مِنْ أَقْرَنَ لَهُ إِذَا أَطَاقَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ اعْتِرَافٌ بِعَجْزِهِ وَأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ بِأَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْخِيرِهِ (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا) أَيْ: لَا إِلَى غَيْرِهِ (لَمُنْقَلِبُونَ) أَيْ: رَاجِعُونَ، وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى مَرْكَبِ الْحَيَاةِ كَهُوَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَلَابُدَّ مِنْ زَوَالِهَا عَنْ قُرْبٍ حَتَّى يَسْتَعِدَّ لِلِقَائِهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا وَالرُّكُوبُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ بِتَنْفِيرِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ يُسَنُّ عِنْدَ رُكُوبِ أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ) الْمُرَادُ بِهِ الْإِبِلُ لِغَالِبِ الْوَاقِعِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي خَارِجًا إِلَى السَّفَرِ حِكَايَةٌ لِلْحَالِ وَدَلَالَةٌ عَلَى ضَبْطِ الْمَقَالِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الِانْقِلَابُ إِلَيْهِ هُوَ السَّفَرُ الْأَعْظَمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهُ (اللَّهُمَّ) وَفِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ (إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا) أَيِ: السَّفَرِ الْحِسِّيِّ (الْبِرَّ) أَيِ: الطَّاعَةَ (وَالتَّقْوَى) أَيْ: عَنِ الْمَعْصِيَةِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْبَرِّ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ، أَوْ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا، وَمِنَ التَّقْوَى ارْتِكَابُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ الزَّوَاجِرِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] (وَمِنَ الْعَمَلِ) أَيْ: جِنْسِهِ (مَا تَرْضَى) أَيْ: بِهِ عَنَّا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي نُسْخَةٍ قَبْلَهُ تُحِبُّ، أَقُولُ: وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، قَالَ: فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الرَّدِيفِ عِنْدَنَا مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِذِ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا مُتَرَادِفَانِ وَهُمَا غَيْرُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ الْمُتَرَادِفَيْنِ أَيْضًا، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ عَطْفَ الرَّدِيفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمَا مُرَادِفَانِ لِلْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، أَوْ مُغَايِرَانِ لَهُمَا، أَوْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَظْهَرُ لَكَ، فَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى تَلَازُمِ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالْأَمْرِ أَيْضًا وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] وَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨] وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩] وَقَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً قَبْلَ ظُهُورِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُنَا مَبْحَثٌ يَطُولُ فِيهِ الْكَلَامُ، وَلَيْسَ هُنَا مَحَلُّ تَحْقِيقِ الْمَرَامِ، وَمُجْمَلُهُ مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ أَنَّ كُتُبَ أَهْلِ السُّنَّةِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَقَعْ عَنِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ بِمَحَبَّتِهِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَاهُ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ لِتَقَارُبِ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ شَيْئًا أَوْ شَاءَهُ فَقَدْ رَضِيَهُ وَأَحَبَّهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ خِلَافُ كَلِمَةِ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ اهـ وَقَالَ شَارِحُ الْعَقِيدَةِ الْمَنْظُومَةِ لِلْيَافِعِيِّ: إِنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا مَعْنَاهَا وَاحِدٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُمُ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: إِنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى، وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا غَيْرُهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] وَبُقُولِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: ١١٢] وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُفْرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ لَهُمْ، وَيَرْضَاهُ لِلْكُفَّارِ لِأَنَّهُ أَرَادَهُ لَهُمْ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ شَرْعًا وَدِينًا يُثِيبُ عَلَيْهِ، وَيَرْضَاهُ مَعْصِيَةً وَمُخَالَفَةً يُعَاقَبُ عَلَيْهَا اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ وَارِدَانِ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالْحَيْثِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قِيلَ فِي الْإِشْكَالِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، مَعَ أَنَّ الْكُفْرَ بِالْقَضَاءِ مُجِيبًا بِأَنَّهُ يَرْضَى بِالْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ، وَلَا يَرْضَى بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ، وَقَالَ أُسْتَاذُنَا الشَّيْخُ عَطِيَّةُ السُّلَمِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الثَّوَابُ يُقَالُ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ رَضِيَهُ وَأَحَبَّهُ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا أَرَادَهُ وَشَاءَهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِقَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute