٢٤٧٣ - (وَعَنْ أَبِي الْيَسَرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ مِنَ التَّرَدِّي، وَمِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَالْغَمِّ.
ــ
٢٤٧٣ - (وَعَنْ أَبِي الْيَسَرِ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ» ) بِسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ سُقُوطُ الْبِنَاءِ وَوُقُوعُهُ عَلَى الشَّيْءِ، وَرُوِيَ بِالْفَتْحِ وَهُوَ اسْمُ مَا انْهَدَمَ مِنْهُ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: أَيِ الْمَهْدُومِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ مَا اسْتَعَاذَ مِنَ الْمَهْدُومِ بَلْ مِنَ الْهَدْمِ نَفْسِهِ) وَمِمَّا يَنْفَصِلُ عَنْهُ حِينَ هَدْمِهِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي) أَيِ: السُّقُوطِ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ كَالْجَبَلِ وَالسَّطْحِ أَوِ الْوُقُوعُ فِي مَكَانٍ سُفْلِيٍّ كَالْبِئْرِ (وَمِنَ الْغَرَقِ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ غَرَقَ فِي الْمَاءِ (وَالْحَرَقِ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا أَيْ: بِالنَّارِ وَإِنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنَ الْهَلَاكِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا مِحَنٌ مُجْهِدَةٌ مُقْلِقَةٌ لَا يَكَادُ الْإِنْسَانُ يَصْبِرُ عَلَيْهَا وَيَثْبُتُ عِنْدَهَا، فَلَعَلَّ الشَّيْطَانَ انْتَهَزَ فُرْصَةً مِنْهُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى مَا يُخِلُّهُ وَيَضُرُّ بِدِينِهِ، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ فَجْأَةً وَهِيَ أَخْذَةُ أَسَفٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَاذَ مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي الظَّاهِرِ أَمْرَاضٌ وَمَصَائِبُ وَمِحَنٌ وَبَلَايَا كَالْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهَا، وَأَمَّا تَرَتُّبُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فَلِلْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُثِيبُ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْمَصَائِبِ كُلِّهَا حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُّهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْعَافِيَةُ أَوْسَعُ، وَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ أَنَّهَا مُتَمَنَّى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمَطْلُوبُهُ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَوَخِّي الشَّهَادَةِ وَالتَّجَزُّؤُ فِيهَا بِخِلَافِ التَّرَدِّي وَالْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَلَوْ سَعَى فِيهَا عَصَى (وَالْهَرَمِ) أَيْ: سُوءِ الْكِبَرِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْخَوْفِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ حُفِظَ مِنْهُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَفِي نُسْخَةٍ (وَالْهَرَمِ) وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ) أَيْ: إِبْلِيسُ أَوْ أَحَدُ أَعْوَانِهِ، قِيلَ التَّخَبُّطُ الْإِفْسَادُ وَالْمُرَادُ إِفْسَادُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَتَخْصِيصُهُ بِقَوْلِهِ (عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخَاتِمَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: أَيْ: مِنْ أَنْ يَمَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنَزَعَاتِهِ الَّتِي تُزِلُّ الْأَقْدَامَ وَتُصَارِعُ الْعُقُولَ وَالْأَوْهَامَ، وَأَصْلُ التَّخَبُّطِ أَنْ يَضْرِبَ الْبَعِيرُ الشَّيْءَ بِخُفِّ يَدِهِ فَيَسْقُطُ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا) أَيْ: مُرْتَدًّا أَوْ مُدْبِرًا عَنْ ذِكْرِكَ وَمُقْبِلًا عَلَى غَيْرِكَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: فَارًّا وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: إِدْبَارًا مُحَرَّمًا أَوْ مُطْلَقًا وَفِيهِ أَنَّ قَيْدَ الْمَوْتِ لَا يُلَائِمُهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يُفِيدُ إِخْرَاجَ التَّائِبِ، قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْلِيمِ الْأُمَّةِ، وَإِلَّا فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِنَ التَّخَبُّطَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ اللَّدْغِ وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَوَاتِ السُّمِّ مِنَ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقُيِّدَ بِالْمَوْتِ مِنَ اللَّدْغِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّهُ «لَدَغَتِ النَّبِيَّ عَقْرَبُ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ لَا تَدْعُ مُصَلِّيًا وَلَا غَيْرَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ وَمِلْحٍ فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا " أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ لَدْغِهَا وَيَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) وَكَذَا الْحَاكِمُ (وَزَادَ) أَيِ النَّسَائِيُّ (فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَالْغَمِّ) أَيْ كَلِمَةَ وَالْغَمِّ أَيِ: الْهَمِّ الشَّدِيدِ الَّذِي يَغُمُّ نَفْسَ النَّفْسِ، أَوْ هَمِّ الدُّنْيَا أَوْ مُطْلَقِ الْهَمِّ، فَالْمُرَادُ التَّوَكُّلُ وَالتَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْأَسْلَمُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute