(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
٢٥٣٣ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ فَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٢٥٣٣ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ) أَيْ يَقْصِدُونَ الْحَجَّ قَصْدًا مُعَظَّمًا بِتَرْكِ الْأَسْبَابِ، (فَلَا يَتَزَوَّدُونَ) أَيْ لَا يَأْخُذُونَ الزَّادَ مَعَهُمْ مُطْلَقًا، أَوْ يَأْخُذُونَ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْبَرِّيَّةِ، (وَيَقُولُونَ) بِطَرِيقِ الدَّعْوَى لَيْسَ تَحْتَهَا الْمَعْنَى، (نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ) وَالْحَالُ أَنَّهُمُ الْمُتَأَكِّلُونَ، أَوِ الْمُعْتَمِدُونَ عَلَى النَّاسِ، زَادَ الْبَغَوِيُّ يَقُولُونَ نَحُجُّ بَيْتَ اللَّهِ وَلَا يُطْعِمُنَا؟ ! ، (فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ) أَيْ أَهْلَ مَكَّةَ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُمْ حَيْثُ فَرَغَتْ زُوَادَتُهُمْ، أَوْ سَأَلُوا فِي مَكَّةَ كَمَا سَأَلُوا فِي الطَّرِيقِ، زَادَ الْبَغَوِيُّ وَرُبَّمَا يُفْضِي بِهِمُ الْحَالُ إِلَى النَّهْبِ وَالْغَصْبِ، (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا) أَيْ خُذُوا زَادَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ، وَاتَّقُوا الِاسْتِطْعَامَ وَالتَّثْقِيلَ عَلَى الْأَنَامِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ أَيْ مَا تَبْلُغُونَ بِهِ وَتَكُفُّونَ بِهِ وُجُوهَكُمْ، وَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْكَعْكَ، وَالزَّبِيبَ، وَالسَّوِيقَ، وَالتَّمْرَ وَنَحْوَهَا {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] أَيْ مِنَ السُّؤَالِ وَالنَّهْبِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ كَالزَّادِ إِلَى سَفَرِ الْآخِرَةِ، فَمَفْعُولُ تَزَوَّدُوا مَحْذُوفٌ هُوَ التَّقْوَى، وَلَمَّا حَذَفَ مَفْعُولَهُ أَتَى بِخَبَرِ إِنَّ ظَاهِرًا لِيَدُلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَمِنَ التَّقْوَى الْكَفُّ عَنِ السُّؤَالِ وَالْإِبْرَامُ، كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ مَعِينُ الدِّينِ الصَّفَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.
فَفِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ارْتِكَابَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ مِنَ الْكَمَلِ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ التَّوَكُّلَ الْمُجَرَّدَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا فِي حَالِهِ، غَيْرَ مُضْطَرِبٍ فِي مَالِهِ، حَيْثُ لَا يَخْطُرُ الْخَلْقُ بِبَالِهِ، وَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ ذَمَّ لِأَنَّهُمْ مَا قَامُوا فِي طَرِيقِ التَّوَكُّلِ حَقَّ الْقِيَامِ، حَيْثُ اعْتَمَدُوا عَلَى جِرَابِ اللِّئَامِ، وَغَفَلُوا عَنْ أَنَّهُ قَسَمَ الْقِسَامَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute