قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ الْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّ مَعْنَى الْفَتْحِ لَبَّيْكَ بِهَذَا السَّبَبِ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ مُطْلَقٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ النِّعْمَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيِ الْإِنْعَامُ، أَوْ أَثَرُهُ الْوَاصِلُ إِلَى الْأَنَامِ، فَغَفْلَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْأَعْلَامِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ إِنَّ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْخَبَرِ فَتَدَبَّرْ، (وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْحَمْدِ، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ وَيُبْتَدَأُ، (لَا شَرِيكَ لَكَ) أَيْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ، وَإِيصَالِ النِّعْمَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: ٥٣] وَفِي تَقْدِيمِ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ إِيمَاءٌ إِلَى عُمُومِ مَعْنَى الْحَمْدِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِذَاتِهِ يَسْتَحِقُ الْحَمْدَ سَوَاءً أَنْعَمَ أَوْ لَمْ يُنْعِمْ، هَذَا وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُلْكُ مَرْفُوعًا وَخَبَرُهُ لَا شَرِيكَ لَكَ، أَيْ فِيهِ وَأَمَّا تَعْلِيلُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَقْفَةَ اللَّطِيفَةَ بِأَنَّ إِيصَالَهَا بِلَا الَّتِي بَعْدَهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا نَفْيٌ لِمَا قَبْلَهَا وَذَلِكَ كُفْرٌ، فَوَهْمٌ نَشَأَ مِنَ الذُّهُولِ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، وَاخْتُلِفَ فِي التَّلْبِيَةِ فَعِنْدَنَا أَنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ لَكِنْ فِي تَرْكِهَا دَمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُنَّةٌ لَا دَمَ بِتَرْكِهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَاجِبَةٌ يُجْبَرُ بِتَرْكِهَا بِدَمٍ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّلْبِيَةَ أَثْنَاءَ النُّسُكِ وَاجِبَةٌ.
(لَا يَزِيدُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ النَّقْصُ عَنْهَا مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُغَيِّرُهُ، بَلْ تَحْسُنُ أَوْ تُسْتَحَبُّ لِمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِأَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ، وَالْعَمَلُ لَكَ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، لَبَّيْكَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا، لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفَعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْ خَبَرِ مُسْلِمٍ «إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى مِنًى فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ» ، وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَأَهِلُّوا أَيْ أَحْرِمُوا بِالْحَجِّ، وَالْإِحْرَامُ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَبِالنِّيَّةِ فَقَطْ كَمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute