للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٤١ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ مُلَبِّدًا، يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

٢٥٤١ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ» ) أَيْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، (مُلَبِّدًا) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا، أَيْ شَعْرَهَ بِالصَّمْغِ أَوِ الْحِنَّاءِ أَوِ الْخِطْمِيِّ وَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ عُذْرٌ.

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: التَّلْبِيدُ هُوَ إِلْصَاقُ شَعْرِ الرَّأْسِ بِالصَّمْغِ أَوِ الْخِطْمِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَيْ لَا يَتَخَلَّلَهُ الْغُبَارُ، وَلَا يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْهَوَامِّ، وَيَقِيَهَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إِنْ لَبَّدَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ لِأَنَّهُ كَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَدَمَانِ إِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ الْبَصْرِيُّ: وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ التَّغْطِيَةِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ اهـ.

وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدِيثِ عَلَى التَّلْبِيدِ اللُّغَوِيِّ مِنْ جَمْعِ الشَّعْرِ وَلَفِّهِ وَعَدَمِ تَخْلِيَتِهِ مُتَفَرِّقًا، فَفِي الْقَامُوسِ تَلَبَّدَ الصُّوفُ وَنَحْوَهُ تَدَاخَلَ وَلَزِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، (يَقُولُ) بَدَلٌ مِنْ يُهِلُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّاطِبِيِّ فِي مَسَائِلِ النَّحْوِ، (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ أَلْبَبْتُ يَا رَبِّ بِخِدْمَتِكَ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ، مَنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، أَيْ أَقَمْتُ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً، وَقِيلَ أَيْ أَجَبْتُ إِجَابَتَكَ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ التَّكْثِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] أَيْ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةٍ، وَحَذَفَ الزَّوَائِدَ لِلتَّخْفِيفِ وَحَذَفَ النُّونَ لِلْإِضَافَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّلْبِيَةَ جَوَابُ الدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدَّاعِي مَنْ هُوَ، فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ هُوَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

أَقُولُ وَالصَّوَابُ أَنَّ خِطَابَ الْجَوَابِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ الدَّاعِي إِمَّا حَقِيقَةً، وَإِمَّا حُكْمًا، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى الْقَوْلِ بِالتَّفَاوُتِ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُنَادِيَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قِيلَ وَقَفَ عَلَى مَقَامِهِ أَوْ بِالْحَجُونِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، (لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) فَالتَّلْبِيَةُ الْأُولَى الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهَذِهِ بِطَرَفَيْهَا لِنَفْيِ الشَّرِكَةِ النِّدِّيَّةِ وَالْمِثْلِيَّةِ فِي وُجُوبِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ (إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ) وَإِنَّ بِالْكَسْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَقَدْ رُوِيَ بِالْفَتْحِ وَالْمَعْنَى أُلَبِّي لِأَنَّكَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>