للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(بَابُ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ)

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

٢٥٥٥ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَطَافَ سَبْعًا، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ «قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ وَمَشَى إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدْنَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ نَادَى وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ: قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ: فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ. كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ. وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَدَفَعَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ. فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

(

بَابٌ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ)

بِفَتْحِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَدَّعَ تَوْدِيعًا، كَسَلَّمَ سَلَامًا، وَكَلَّمَ كَلَامًا، وَقِيلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ، فَيَكُونُ مَصْدَرُ الْمُوَادَعَةِ، وَهُوَ إِمَّا لِوَدَاعِهِ النَّاسَ أَوِ الْحَرَمَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ الشُّمُنِّيُّ لَمْ يُسْمَعْ فِي حَاءِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا الْكَسْرُ قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْحَجَّةَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَهُوَ مِنَ الشَّوَاذِّ لِأَنَّ الْقَيَّاسَ الْفَتْحُ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٥٥٥ - (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَيْ لَبَثَ، (بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ) أَيْ لَكِنَّهُ اعْتَمَرَ كَمَا مَرَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ اهـ. وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ كَمَا سَبَقَ.

(ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ) أَيْ أَمَرَ بِأَنْ يُنَادَى بَيْنَهُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ نَادَى مُنَادِيًا بِإِذْنِهِ، (فِي الْعَاشِرَةِ) أَيِ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، (أَنَّ) أَيْ بِأَنَّ، (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجٌّ) أَيْ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَقَاصِدُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ وَإِنَّمَا أَذَّنَ لِيَكْثُرُوا: فَيُشَاهِدُوا مَنَاسِكَهُ: فَيَنْقُلُوا إِلَى غَيْرِهِمْ، (فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ) تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: ٢٧] أَيْ مُشَاةً {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧] أَيْ رَاكِبِينَ عَلَى كُلِّ بَعِيرٍ ضَعِيفٍ {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٧] أَيْ طَرِيقٍ بِعِيدٍ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ} [الحج: ٢٨] لَهُمْ أَيْ لِيَحْضُرُوا مَنَافِعَ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً وَأُخْرَوِيَّةٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قِيلَ وَقَدْ بَلَغَ جُمْلَةُ مَنْ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَصْحَابِهِ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ تِسْعِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، (فَخَرَجْنَا مَعَهُ) أَيْ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَجَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ يُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، (حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ) فَنَزَلَ بِهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا وَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ وَالصُّبْحَ وَالظُّهْرَ، وَكَانَ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ مَعَهُ: فَطَافَ عَلَيْهِنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ غُسْلًا ثَانِيًا لِإِحْرَامِهِ غَيْرَ غُسْلِ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ، فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سِنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا) أَيْ بِيَدِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، أَوْ بِإِصْبَعِهِ كَمَا فِي أُخْرَى (وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ) وَالْمُرَادُ بِالنَّاقَةِ فِيهَا الْجِنْسُ، أَوِ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا: لِتَعْبِيرِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِالْهَدْيِ فِي التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ «أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ «أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا مِنَ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ عَنْهَا الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ» ، وَتَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ هُوَ الَّذِي صَحَّ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، وَصَحَّ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَتَدَبَّرْ (فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ) زَوْجَةُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَعْدَ مَوْتِ جَعْفَرٍ وَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِ الصِّدِّيقِ وَوَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى (بِنْتُ عُمَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِ الصَّحَابَةِ قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ (فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَصْنَعُ) أَيْ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ (قَالَ اغْتَسِلِي) دَلَّ عَلَى أَنَّ اغْتِسَالَ النُّفَسَاءِ لِلْإِحْرَامِ سُنَّةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ وَلِهَذَا لَا يَنُوبُهُ التَّيَمُّمُ، وَكَذَا فِي الْحَائِضِ (وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ) أَيِ اجْعَلِي ثَوْبًا بَيْنَ فَخْذَيْكِ وَشُدِّي فَرْجَكِ بِمَنْزِلَةِ الثَّفْرِ لِلدَّابَّةِ (وَأَحْرِمِي) أَيْ بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>