للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الْعَجَمِيِّ فِي مَنْسِكِهِ: يَنْبَغِي إِنْ كَانَ فِي الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِيهِ، وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ جَازَ، وَلَا يُصَلِّي فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَتُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْهُمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

وَقِيلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى لِلْإِحْرَامِ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ فَرْضِ الظُّهْرِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ» أَهَلَّ اهـ.

وَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا يَخْفَى إِذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ) بِالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الْقَافِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ خَطَأٌ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اسْمٌ لِنَاقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ كُلُّ مَا قُطِعَ أُذُنُهُ فَهُوَ جَدْعٌ فَإِذَا بَلَغَ الْقَطْعُ الرُّبْعَ فَهُوَ قَصْوٌ وَإِنْ جَاوَزَ فَهُوَ عَضْبٌ، وَقِيلَ هِيَ الَّتِي قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا، وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهَا لِسَبْقِهَا أَيْ كَانَ عَدْوُهَا أَقْصَى السَّيْرِ وَغَايَةَ الْجَرْيِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ التَّابِعِيُّ: إِنَّ الْقَصْوَاءَ وَالْجَدْعَاءَ اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ أَحْرَمَ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَجَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إِفْرَادًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَبَيَانُهُ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِهِ صِحَّةَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بِانْضِمَامِ التَّلْبِيَةِ إِلَيْهَا، فَالتَّلْبِيَةُ بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرِ التَّحْرِيمَةِ الْمُقَارَنِ بِالنِّيَّةِ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلِذَا أُقِيمَ كُلُّ ذِكْرٍ مَقَامَهَا.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَفْظُهَا مَصْدَرٌ مُثَنًّى تَثْنِيَةً يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ مَلْزُومُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ كَمَا تَرَى، وَالنَّاصِبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ تَقْدِيرُهُ أَجَبْتُ إِجَابَتَكَ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَيُعْرَفُ بِهَذَا مَعْنَاهُ فَيَكُونُ مَصْدَرًا مَحْذُوفَ الزَّوَائِدِ وَهِيَ إِجَابَةٌ: فَقِيلَ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ رَبِّ فَرَغْتُ، فَقَالَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ رَبِّي وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ قَالَ رَبِّي كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ) حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَأَخْرَجَهُ غَيْرُهُ بِأَلْفَاظٍ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ.

وَأَخْرَجَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى مَا تَحْتَهُ الْحَدِيثَ، وَأُخْرِجَ عَنْ مُجَاهِدٍ (قَامَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَقَالُوا لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَئِذٍ (إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لَا بِفَتْحِهَا.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَازِ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلَذَّاتِ وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ، أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، وَلَا يَخْفَى تَعْلِيقُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا إِلَّا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِكَ: عَلِّمِ ابْنَكَ الْعِلْمَ إِنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ (لَا شَرِيكَ لَكَ) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَابِرٌ: وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ شَيْئًا وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلْبِيَتَهُ.

قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا رَوَى مِنْ زِيَادَةِ النَّاسِ فِي التَّلْبِيَةِ مِنَ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>