(فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَهُمْ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ وَجَمَاعَتُهُ لِأَنَّ سِقَايَةَ الْحَاجِّ كَانَتْ وَظِيفَةً (يَسْقُونَ) أَيْ مَرَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَنْزِعُونَ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ وَيَسْقُونَ النَّاسَ (عَلَى زَمْزَمَ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ يَغْرِفُونَ بِالدِّلَاءِ وَيَصُبُّونَهُ فِي الْحَوْضِ وَنَحْوِهَا فَيَسْلُبُونَهُ (فَقَالَ انْزِعُوا) أَيِ الْمَاءَ أَوِ الدِّلَاءَ (بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) يَعْنِي الْعَبَّاسَ، وَمُتَعَلِّقِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: دَعَا لَهُمْ بِالْقُوَّةِ عَلَى النَّزْعِ وَالِاسْتِقَاءِ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ أَيِ النَّزْعَ عَمَلٌ صَالِحٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لَهُمْ (فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ) أَيْ لَوْلَا مَخَافَةَ كَثْرَةِ الِازْدِحَامِ عَلَيْكُمْ بِحَيْثُ تُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِكُمْ عَنْ رَغْبَةٍ فِي النَّزْعِ (لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ) وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ لَوْلَا خَوْفِي أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ: فَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَغْلِبُونَكُمْ وَيَدْفَعُونَكُمْ عَنِ الِاسْتِقَاءِ لَاسْتَقَيْتُ مَعَكُمْ لِكَثْرَةِ فَضِيلَةِ هَذَا الِاسْتِقَاءِ (فَنَاوَلُوهُ) أَيْ أَعْطَوْهُ (دَلْوًا) رِعَايَةً لِلْأَفْضَلِ (فَشَرِبَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الدَّلْوِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَشَرِبَ مِنْهَا، وَفِي الْقَامُوسِ الدَّلْوُ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يُذَكَّرُ، قِيلَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُرِبَهُ قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعُذْرٍ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مِنَ الطِّينِ أَوِ الِازْدِحَامِ، فَإِنَّهُ صَحَّ نَهْيُهُ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا بَلْ أَمَرَ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَتَقَيَّأَ مَا شَرِبَهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إِنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا بِدُونِ الْعُذْرِ حَرَامٌ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَيْ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ كَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبَى دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَعَبَدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْمَلَاحِفِ مَنْسُوجَةٍ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهَا مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ فَصَلَّيْنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، الْحَدِيثَ وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ وَأَجْمَعُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute