وَفِيهِ أَنَّهُ إِفْرَادُ الْحَجِّ بِدُونِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ خِلَافِ الْأَفْضَلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا، فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عُمْرَةً حَتَّى يُوَفِّيَ أَعْمَالَهَا مِنَ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّوَافِ، كَمَا تُفِيدُهُ رِوَايَةُ: ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، أَيِ: الطَّوَافُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِلْقُدُومِ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا لِلْمُفْرِدِ، وَلِلْقَارِنِ أَفْعَالٌ تَتَدَاخَلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا.
(ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ: بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ) بِالرَّفْعِ (بَدَأَ بِهِ) الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِثْلَ ذَلِكَ) بِالنَّصْبِ أَيْ: فَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ، أَيْ: فِعْلُهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ بَعْدَ حَجِّهِمْ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إِنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِضَرُورَةِ رَفْضِ عُمْرَتِهَا، ثُمَّ إِتْيَانِ قَضَائِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِلْمَصَابِيحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، كَذَا فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَسَقُ الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى تَمَامِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ لِمَا فِي سِيَاقِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرِوَايَتُهُ: أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الصَّوَابُ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِلَّا أَنْ يَصِحَّ بِذَلِكَ نَقْلٌ مِنْ خَارِجٍ، وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: " ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ " مَكَانَ: " ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عُمْرَةً " وَمَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحَلُّلٌ بِالطَّوَافِ مِنَ الْإِحْرَامِ، بَلْ أَقَامُوا عَلَى إِحْرَامِهِمْ حَتَّى نَحَرُوا هَدْيَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute