يَمْسَحُونَ الْحَجَرَ سَبَبًا لِسَوَادِهِ، وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إِذْ لَا مَانِعَ نَقْلًا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: هَذَا الْحَدِيثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَنْظِيمِ شَأْنِ الْحَجَرِ، وَتَفْظِيعِ أَمْرِ الْخَطَايَا، وَالذُّنُوبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَجَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرَفِ، وَالْكَرَامَةِ، وَالْيُمْنِ، وَالْبَرَكَةِ شَارَكَ جَوَاهِرَ الْجَنَّةِ، فَكَأَنَّهُ نَزَلَ مِنْهَا، وَأَنَّ خَطَايَا بَنِي آدَمَ تَكَادُ تُؤَثِّرُ فِي الْجَمَادِ، فَتَجْعَلُ الْمُبَيَّضَ مِنْهُ أَسْوَدَ، فَكَيْفَ بِقُلُوبِهِمْ؟ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُكَفِّرٌ لِلْخَطَايَا مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ كَأَنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمِنْ كَثْرَةِ تَحَمُّلِهِ أَوْزَارَ بَنِي آدَمَ صَارَ كَأَنَّهُ ذُو بَيَاضٍ شَدِيدٍ، فَسَوَّدَتْهُ الْخَطَايَا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ نُقَطٌ بِيضٌ، ثُمَّ لَا زَالَ السَّوَادُ يَتَرَاكَمُ عَلَيْهَا حَتَّى عَمَّهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا أَذْنَبَ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ أُخْرَى، وَهَكَذَا حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ جَمِيعُهُ، وَيَصِيرُ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] » . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الْبَيْضَاءِ فِي غَايَةٍ مِنَ الصَّفَاءِ، وَيَتَغَيَّرُ بِمُلَاقَاةِ مَا لَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ، وَفَى الْجُمْلَةِ الصُّحْبَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ أَنَسٍ، وَالنَّسَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا أَهْلِ الشِّرْكِ. وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ، وَكَانَ أَبْيَضَ كَالْمَاءِ، وَلَوْلَا مَسَّهُ مِنْ رِجْسِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute