للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٩ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

١٥٩ - (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، فِي الْأَزْهَارِ: بَدَا بِلَا هَمْزَةٍ أَيْ ظَهَرَ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِالْهَمْزَةِ مِنَ الِابْتِدَاءِ، كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: بَدَأَ بِالْهَمْزَةِ مِنَ الِابْتِدَاءِ كَذَا ضَبَطَاهُ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمَّا بَدَأَ أَوَّلَ الْوَهْلَةِ نَهَضَ بِإِقَامَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ نَاسٌ قَلِيلُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَشَرَّدُوهُمْ عَنِ الْبِلَادِ فَأَصْبَحُوا غُرَبَاءَ أَوْ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ مُعْتَزِلًا مَهْجُورًا كَالْغُرَبَاءِ، ثُمَّ يَعُودُ آخِرًا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهِ إِلَّا الْأَفْرَادُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَسَيَعُودُ) ، أَيْ: فِي آخِرِ الزَّمَانِ (كَمَا بَدَأَ (: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْحَالَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، لِقِلَّةٍ مَنْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَقِلَّةِ مَنْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الْآخَرِ) فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ (: الْمُتَشَبِّثِينَ بِذَيْلِهِ يَعْنِي: الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ لِصَبْرِهِمْ عَلَى الْأَذَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْغُرَبَاءِ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ هَجَرُوا إِلَى اللَّهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ سُنَّتِهِ كَمَا وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي لِلتِّرْمِذِيِّ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: إِمَّا أَنْ يُسْتَعَارَ الْإِسْلَامُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْغُرْبَةُ هِيَ الْقَرِينَةُ فَيَرْجِعُ مَعْنَى الْوَحْدَةِ وَالْوَحْشَةِ إِلَى نَفْسِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَجْرِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْكَلَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ وَالْوَحْشَةِ بِاعْتِبَارِ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ وَقِلَّتِهِ، فَعَلَى هَذَا: غَرِيبًا إِمَّا حَالٌ أَيْ بَدَأَ الْإِسْلَامُ مُشَابِهًا لِلْغَرِيبِ أَوْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ ظُهُورَ الْغُرَبَاءِ فَرِيدًا وَحِيدًا لَا مَأْوَى لَهُ حَتَّى تَبَوَّأَ دَارَ الْإِيمَانِ. أَعْنِي: طِيبَةً فَطُوبَى لَهُ وَطَابَ عَيْشًا، ثُمَّ أَتَمَّ اللَّهُ نُورَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فَيَعُودُ آخِرَ الْأَمْرِ وَحِيدًا شَرِيدًا إِلَى طِيبَةَ كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لَهُ، وَلَهْفِي عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ: الْإِيمَانُ لَيَأْرِزُ اهـ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>