٢٥٩١ - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِـ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَمَنْ طَافَ فَتَكَلَّمَ، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ - خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ بِرِجْلَيْهِ كَخَائِضِ الْمَاءِ بِرِجْلَيْهِ» ". (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
٢٥٩١ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا) أَيْ: سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنَ الْأَشْوَاطِ (وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِسُبْحَانَ اللَّهِ) أَيِ: الْمُنَزَّهِ عَنِ الْمَكَانِ، وَهُوَ وَاجِبُ النَّصْبِ فَمَحَلُّهُ مَجْرُورٌ. (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ: فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ (وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ: فِي نَظَرِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ فِي كُلِّ آنٍ (اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ: مِنْ أَنْ يُعْرَفَ لَهُ شَأْنٌ (وَلَا حَوْلَ) : عَنْ مَعْصِيَتِهِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى طَاعَتِهِ (إِلَّا بِاللَّهِ) ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ (مُحِيَتْ) بِتَاءِ التَّأْنِيثِ - فِي جَمِيعِ النُّسَخِ - (عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ) أَيْ: بِكُلِّ خُطْوَةٍ، أَوْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ (وَكُتِبَ) - بِالتَّذْكِيرِ أَيْضًا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَيْ: أُثْبِتَ (لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ) : عَلَى وَجْهِ التَّبْدِيلِ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ التَّوْفِيقِ. (وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) - بِالتَّذْكِيرِ أَيْضًا: أَيْ: فِي الْجَنَّاتِ الْعَالِيَاتِ. (وَمَنْ طَافَ فَتَكَلَّمَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ) أَيْ: فِي حَالِ الطَّوَافِ (خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ) : أَيْ: دَخَلَ فِي بَحْرِ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ (بِرِجْلِيْهِ كَخَائِضِ الْمَاءِ بِرِجْلَيْهِ) وَإِنَّمَا كَرَّرَ الْكَلَامَ لِيُنَاطَ بِهِ غَيْرُ مَا يُنَطْ بِهِ أَوَّلًا، الْمَعْقُولُ فِي صُورَةِ الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: مَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الذِّكْرِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ بِأَنَّ الثَّوَابَ الْحَاصِلَ دُونَ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةِ تَكَلُّمِهِ فِي طَوَافِهِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِكَمَالِ الْأَدَبِ، وَإِيقَاعِ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ وَجْهِهَا اهـ.
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ بِقَوْلِهِ: " «فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَيَكُونَ مَكْرُوهًا» ". قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ، يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ اهـ.
فَكَيْفَ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ حُكْمًا فِي الصَّلَاةِ، وَالْكَرَاهَةُ تُنَافِي أَصْلَ الثَّوَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَيْضًا يَلْزَمُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ شَيْءٍ، وَتَقَرُّرِهِ، بَلْ مَعَ زِيَادَةِ تَفْرِيعِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ الثَّوَابَ حَاصِلٌ لِأَصْلِ الطَّوَافِ، فَيُئَوَّلُ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّ مَنْ طَافَ فَتَكَلَّمَ بِالْمُبَاحِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْقَيْدِ ; بَلِ الْإِطْلَاقُ، أَوْ نَفْيُ الْكَلَامِ مُطْلَقًا أَوْلَى.
وَأَقُولُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ: إِنَّ الظَّاهِرَ فِي مَعْنَاهُ - مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فِي مَبْنَاهُ - أَنْ يُقَالَ: وَمَنْ طَافَ فَتَكَلَّمَ أَيْ: بِغَيْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ مِنْ أَخْبَارِ الْعُلَمَاءِ الْأَبْرَارِ، وَأَسْرَارِ الْمَشَايِخِ الْأَخْيَارِ - فَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ مَثُوبَاتِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ بِالْبَيْتِ فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَصَافَحَتْهُ وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، طُفْ بِهَذَا الْبَيْتِ، فَإِنَّا قَدْ طُفْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، قَالَ لَهُمْ آدَمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَمَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي طَوَافِكُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ آدَمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَا أَزِيدُ فِيهَا: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ نَحْوُهُ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute