٢٦١٧ - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ: كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ. فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ؟ ! رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٢٦١٧ - (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أَيِ: الزُّهْرِيِّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ) أَيِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّ الْحَجَّاجَ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: كَثِيرَ الْحُجَجِ بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنَ يُوسُفَ) أَيِ: الثَّقَفِيَّ قَاتِلَ الْأَنْفُسِ، قِيلَ: قَتَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا قَتْلَ صَبْرٍ (عَامَ نَزَلَ) أَيْ: بِجَيْشٍ كَثِيرٍ (بِابْنِ الزُّبَيْرِ) أَيْ: سَنَةَ بَارَزَ، وَقَاتَلَ فِيهَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْخَلِيفَةِ بِمَكَّةَ، وَالْعِرَاقِيِّينَ، وَغَيْرِهَا مَا عَدَا نَحْوَ الشَّامِ، حَتَّى فَرَّ مَنْ مَعَهُ، وَبَقِيَ صَابِرًا مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ إِلَى أَنْ ظَفِرُوا بِهِ، فَقَتَلُوهُ، وَصَلَبُوهُ، ثُمَّ أَمَّرَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ تِلْكَ السَّنَةَ عَلَى الْحَاجِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ نُسُكِهِ بِأَقْوَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَنْ يَسْأَلَهُ، وَلَا يُخَالِفَهُ، فَحِينَئِذٍ (سَأَلَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ (عَبْدَ اللَّهِ) أَيِ: ابْنَ عُمَرَ، وَهُوَ أَبُو سَالِمٍ الرَّاوِي (كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟) أَيْ: فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَلْ نُقَدِّمُهُمَا عَلَى الْوُقُوفِ، أَوْ نُوَسِّطُهُمَا فِيهِ، أَوْ نُؤَخِّرُهُمَا عَنْهُ؟ (فَقَالَ سَالِمٌ) أَيِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَفِيهِ تَجْرِيدٌ، أَوْ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى، وَإِلَّا فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ، فَقُلْتُ، وَإِنَّمَا أَجَابَ قَبْلَ أَبِيهِ تَخْفِيفًا، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَإِهَانَةً لِلْحَجَّاجِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُتَكَبِّرًا نَكِيرًا. (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ) أَيْ: مُتَابَعَةَ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْكَلَامِ (فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ) أَيِ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) : فِي " النِّهَايَةِ ": التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَالْمَعْنَى صَلِّ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمْعًا أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّاجَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَوَلَدَهُ كَانُوا مُقِيمِينَ، فَيُفِيدُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ جَمْعُ نُسُكٍ لَا جَمْعُ سَفَرٍ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ) أَيْ: سَالِمٌ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ وَلَدِهِ، وَدَفْعٌ لِمَا فِي قَلْبِ الْحَجَّاجِ مِنْ تَرَدُّدِهِ (إِنَّهُمْ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُفْتَحُ أَيْ: إِنَّ الصَّحَابَةَ (كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ) حَالٌ، أَيْ: مُتَوَغِّلِينَ فِي السُّنَّةِ مُتَمَسِّكِينَ بِهَا، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَجَّاجِ، قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَقُلْتُ لِسَالِمٍ) : قَائِلُهُ ابْنُ شِهَابٍ (أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟) : بِإِثْبَاتِ الِاسْتِفْهَامِ فِي النُّسَخِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْأَعْلَامِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ لِظُهُورٍ فِي الْمَقَامِ. (فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ) : بِالتَّشْدِيدِ (ذَلِكَ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ (إِلَّا سُنَّتَهُ) : أَوْ لَا يَتَّبِعُونَ التَّهْجِيرَ فِي الْجَمْعِ لِشَيْءٍ إِلَّا لِسُنَّةٍ، فَنَصْبُ سُنَّةٍ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَالْمَعْنَى يَتَّبِعُونَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُهْمَلَةً، كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ الْأَتْبَاعِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِمُثَنَّاتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ، وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الِابْتِغَاءِ، وَهُوَ الطَّلَبُ، وَبِذَلِكَ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلٌ " وَفِي " اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: لَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ، تَفْسِيرٌ لِـ يَبْتَغُونَ مِنَ الِابْتِغَاءِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَغْلَبِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَأَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ نَسْخُ الْمِشْكَاةِ عَلَى ذَلِكَ بِدُونِ الْبَاءِ، وَبِغَيْرِ " فِي " فَتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الدَّلِيلُ حُجَّةً إِجْمَاعِيَّةً لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا الْحَجَّاجُ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَا مَاتَ حَتَّى أَعْتَقَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، أَوْ زَادَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ أَمَرَ رَجُلًا، فَسَمَّ زَجَّ رُمْحِهِ، وَزَاحَمَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَوَضَعَ الزَّجَّ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ يَوْمًا، وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْتَظِرُكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute