للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحَرِّكَ الَّذِي فِي عَيْنَيْكَ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ سَفِيهٌ مُسَلَّطٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخْفَى قَوْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يُسْمِعْهُ، وَكَانَ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِعَرَفَةَ، وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَعِزُّ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ حَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ ; فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ سَيِّئَةٌ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، فَيَكْفِيهِ سَبَبًا فِي تَسَفُّلِ دَرَكَاتِهِ.

وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ جَوْرِهِ، وَتَعَدِّيهِ لِلْحُدُودِ أَلْزَمَ الْحَجَّاجَ مَعَ فَظَاظَتِهِ، وَجَبَرُوتِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ: وَيَقْتَدِي بِفِعْلِهِ فِي جَمِيعِ نُسُكِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَكَمَنَ قَتَلَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ أَحَدٌ، فَأَمَرَ أَتْبَاعَهُ بِسَمِّ أَسِنَّةِ رِمَاحِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَسَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْظُرَ ابْنَ عُمَرَ حَتَّى يَخْرُجَ لِلْمَسْجِدِ، فَيَمْشِيَ بِإِزَائِهِ، ثُمَّ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ يَتَشَاغَلُ بِالزَّحْمَةِ، فَيُسْقِطُ رُمْحَهُ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ عَلَى رِجْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَأَصَابَهَا سِنَانُهُ الْمَسْمُومُ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ شَعَرَ ابْنُ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَشَافَهَ بِهِ الْحَجَّاجَ لَمَّا عَادَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَوْ عَلِمْنَا مَنْ فَعَلَ بِكَ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ لَهُ: فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ أَمَرَ النَّاسَ بِسَمِّ أَسِنَّةِ رِمَاحِهِمْ، اهـ.

وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا يَخْفَى، فَإِنَّ أَمْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ ثَانِيًا إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَكِيدَةٍ بَاطِنِيَّةٍ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ خَائِفًا لِخُرُوجِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَبُولِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْخَاصَّةِ، وَالْعَامَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا سَائِرَ الصَّحَابَةِ، وَأَكَابِرَ السَّادَةِ، وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>