وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَا أَرَادَ ذَبْحَ وَلَدِهِ بِمِنًى، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى يُرَاوِدُهُ أَنْ لَا يَذْبَحَهُ، فَحَصَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ حِكْمَةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالْعَقَبَةِ، حَمْلًا لِفِعْلِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَفِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ تَبَعًا لَهُ وَلِوَلَدِهِ، وَامْرَأَتِهِ هَاجَرَ، حَيْثُ وَسْوَسَ اللَّعِينُ لَهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ وَجْهُ تَكْرِيرِ الْجَمَرَاتِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي " الْإِحْيَاءِ " أَنَّهُ لَا يُلَاحِظُ كُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا رَمْيُ الْجِمَارِ فَاقْصِدْ بِهِ الِانْقِيَادَ لِلْأَمْرِ إِظْهَارًا لِلرِّقِّ، وَالْعُبُودِيَّةِ، وَانْتِهَاضًا لِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ لِلرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ قَصَدَ بِهِ التَّشَبُّهَ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حَيْثُ عَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لِيُدْخِلَ عَلَيْهِ فِي حَجِّهِ شُبْهَةً، أَوْ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِرَمْيِهِ بِحِجَارَةٍ طَرْدًا لِقَوْلِهِ، وَقَطْعًا لِأَمَلِهِ اهـ.
وَأَمَّا وَجْهُ كَوْنِ السَّعْيِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ إِحْيَاءَ مَأْثَرِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ بِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ تَرَكَهُمَا، وَرَجَعَ إِلَى الشَّامِ قَالَتْ لَهُ: إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا، اللَّهُ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَهُوَ إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ نَفَدَ مَاؤُهَا، فَخَشِيَتْ عَلَى ابْنِهَا الْهَلَاكَ مِنَ الظَّمَأِ، فَتَرَكَتْهُ عِنْدَ مَحَلِّ بِئْرِ زَمْزَمِ، وَذَهَبَتْ تَنْظُرُ أَحَدًا يَمُرُّ بِمَاءٍ، فَرَقَتِ الصَّفَا، فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ تَسْعَى إِلَى الْمَرْوَةِ، فَرَقَتْهَا فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ تَسْعَى إِلَى الصَّفَا، وَهَكَذَا سَبْعًا، ثُمَّ ذَهَبَتْ لِوَلَدِهَا فَرَأَتْ عِنْدَهُ مَاءً مِنْ أَثَرِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ، أَوْ مِنْ قَدَمِ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَجَعَلَتْ تَجْمَعُهُ وَتَقُولُ: زِمْ زِمْ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ تَرَكَتْهُ لَصَارَ عَيْنًا مَعِينًا ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute