للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ " وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ» اهـ.

فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ نَوَاهُ قَصْدًا لِيَرَى لُطْفَ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ فِيهِ نِعَمَهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَيْهِ عِنْدَ مُقَايَسَتِهِ نُزُولَهُ بِهِ الْآنَ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَعْنِي حَالَ انْحِصَارِهِ مِنَ الْكُفَّارِ فِي ذَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْعِبَادَةِ، ثُمَّ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي شَمِلَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ النَّصْرِ، وَالِاقْتِدَارِ عَلَى إِقَامَةِ التَّوْحِيدِ، وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِ الْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي دَعَا اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَيْهِ عِبَادَهُ ; لِيَنْتَفِعُوا بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ، وَمَعَادِهِمْ، لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا النِّعْمَةُ الْعُظْمَى عَلَى أُمَّتِهِ، لِأَنَّهُمْ مَظَاهِرُ الْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَيَّدِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَدِيرٌ بِتَفَكُّرِهَا، وَالشُّكْرِ التَّامِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَكَانَ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي هَذَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا حَصَبَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْأَبْطَحَ، وَأُخْرِجَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْمُحَصَّبِ، قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ كَالرَّمَلِ، وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاءَةَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُرَادَ بِهَا إِرَاءَةُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُشْرِكٌ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بَلِ الْمُرَادُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِالْحَالِ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>