للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٥ - وَعَنْهُ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الصَّلَاةَ.

ــ

١٦٥ - (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنِ الْعِرْبَاضِ (قَالَ: صَلَّى بِنَا) ، أَيْ: إِمَامًا لَنَا (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ) : أَقْحَمَ ذَاتَ لِدَفْعِ الْمَجَازِ أَيْ نَهَارًا (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ) : تَأْكِيدٌ (فَوَعَظَنَا) : بِفَتْحِ الظَّاءِ، أَيْ: نَصَحَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَوْعِظَةً) : وَهِيَ مَا يُوعَظُ بِهِ (بَلِيغَةً) ، أَيْ: تَامَّةً فِي الْإِنْذَارِ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، أَيْ: وَجِيزَةَ اللَّفْظِ كَثِيرَةَ الْمَعْنَى، أَوْ بَالَغَ فِيهَا بِالْإِنْذَارِ وَالتَّخْوِيفِ اهـ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ، أَيْ: بَالَغَ فِيهَا الْإِنْذَارَ وَالتَّخْوِيفَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: ٦٣] وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَجَازَةَ اللَّفْظِ وَكَثْرَةَ الْمَعْنَى مَعَ الْبَيَانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ قَوْلَهُ. ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِرَادَةِ وَجَازَةِ اللَّفْظِ عَدَمُ إِفَادَةِ الْإِنْذَارِ الَّذِي سَبَّبَ الْبُكَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ذَرَفَتْ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ، أَيْ: دَمَعَتْ (مِنْهَا الْعُيُونُ) : أَيْ: سَالَتْ مِنْ مَوْعِظَتِهِ دُمُوعُ الْعُيُونِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: ٨٣] (وَوَجِلَتْ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْوَجَلُ خَوْفٌ مَعَ الْحَذَرِ، أَيْ: خَافَتْ (مِنْهَا الْقُلُوبُ) : لِتَأْثِيرِهَا فِي النُّفُوسِ وَاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْخَشْيَةِ عَلَى الْقُلُوبِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: ذَرَفَتْ أَيْ سَالَتْ وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْعُيُونِ مُبَالَغَةٌ وَفَائِدَةُ تَقْدِيمِ ذَرَفَتْ عَلَى وَجِلَتْ وَحَقُّهُ التَّأْخِيرُ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَوْعِظَةَ أَثَّرَتْ فِيهِمْ وَأَخَذَتْ بِمَجَامِعِهِمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْخِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ، يُسْتَدَلُّ بِالدَّمْعَةِ عَلَى الْخَشْيَةِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مُوجِبَةً لِلدَّمْعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَقَالَ رَجُلٌ) : وَفِي الْأَرْبَعِينَ: قُلْنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّ) : بِالتَّشْدِيدِ (هَذِهِ) ، أَيْ: هَذِهِ الْمَوْعِظَةَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ: كَأَنَّهَا (مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ) : بِالْإِضَافَةِ فَإِنَّ الْمُوَدِّعَ بِكَسْرِ الدَّالِ عِنْدَ الْوَدَاعِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يَهُمُّ الْمُوَدَّعَ بِفَتْحِ الدَّالِ، أَيْ: كَأَنَّكَ تُوَدِّعُنَا بِهَا لِمَا رَأَى مِنْ مُبَالَغَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا رَأَى تَأْثِيرًا عَجِيبًا مِنْ مَوْعِظَتِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِحَيْثُ أَدَّى إِلَى الْبُكَاءِ، فَشَبَّهَ مَوْعِظَتَهُ بِمَوْعِظَةِ الْمُوَدِّعِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرِ وَالْبُكَاءِ، أَوْ لِكَمَالِ التَّأْثِيرِ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يُعْقِبُهُ الزَّوَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. (فَأَوْصِنَا) ، أَيْ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمُرْنَا بِمَا فِيهِ كَمَالُ صَلَاحِنَا وَإِرْشَادِنَا فِي مَعَاشِنَا وَمَعَادِنَا بَعْدَ وَفَاتِكَ (فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ) ، أَيْ: بِمَخَافَتِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبِلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: ١٣١] ، أَيْ: بِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَهِيَ تَقْوَى الشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةِ وَتَقْوَى مَا سِوَى اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ التَّقْوَى امْتِثَالُ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهِيَ زَادُ الْآخِرَةِ تُنْجِيكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَبَدِيِّ وَتُبَلِّغُكُمْ إِلَى دَارِ السُّرُورِ، وَتُوجِبُ الْوُصُولَ إِلَى عَتَبَةِ الْجَلَالِ وَالْقُدْسِ وَالنُّورِ.

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مَنِ التُّقَى ... وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>