٢٧٢٥ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ، فَقَالَ: " «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
٢٧٢٥ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ) . قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى وَزْنِ الْقَسْوَرَةِ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ، وَبَعْضُهُمْ شَدَّدَهَا أَيِ: الرَّاءَ، وَالْحَزْوَرَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى التَّلِّ الصَّغِيرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَاكَ كَانَ تَلًّا صَغِيرًا، وَقِيلَ: لِأَنَّ وَكِيعَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ إِيَادٍ كَانَ وَلِيَ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ جُرْهُمٍ فَبَنَى صَرْحًا هُنَاكَ، وَجَعَلَ فِيهَا أُمَّهُ، يُقَالُ: لَهَا حَزْوَرَةُ فَسُمِّيَتْ مَكَّةُ بِهَا اهـ. وَقِيلَ: اسْمُ سُوقٍ بِمَكَّةَ وَهُوَ الْآنَ مَعْرُوفٌ بِالْغَرْوَرَةِ، وَهُوَ بَابُ الْوَدَاعِ. (فَقَالَ) : أَيْ: مُخَاطِبًا لِلْكَعْبَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ حَرَمِهَا، وَفِيهِ تَأْنِيسٌ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِ أَئِمَّتِنَا الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُوَدِّعِ أَنْ يَكُونَ مُلْتَفِتًا إِلَى مَا وَرَاءَهُ، كَالْمُتَنَدِّمِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، بَلْ كَالْكُرْهِ فِي الِانْصِرَافِ عَنْهَا، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْأَدَبِ فِي مُفَارَقَةِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَأَمَّا الْقَهْقَرَى وَإِنْ كَانَتْ بِدْعَةً إِلَّا أَنَّهَا لَا تُزَاحِمُ سُنَّةً، وَلَا تَدْفَعُهَا مَرَّةً فَهِيَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلْ رَفَعَهُ أَنَّ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ. ( «وَاللَّهِ إِنَّكِ لِخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ» ) : فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ إِلَّا الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، بَلْ مِنَ الْعَرْشِ إِجْمَاعًا وَتَمَحَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي رَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْمَبْنَى وَالْمَعْنَى بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، أَنَّهُ تَشَبُّثٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُمْ عَارَضُوا هَذَا الْحَدِيثَ الثَّابِتَ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ; بَلْ مَوْضُوعَةٍ مِنْهَا: «اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إِلَيَّ فَأَسْكِنِّي فِي أَحَبِّ الْبِلَادِ إِلَيْكَ» ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ دِحْيَةَ، بَلْ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَالُوا: مِنْ كَمَالِ تَسَاهُلِهِ فِي كِتَابِهِ عُطِّلَ تَمَامُ النَّفْعِ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ يَكُونُ التَّقْدِيرُ بَعْدَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيْهِ إِلَّا مَا كَانَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَيْضًا لِمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَوِ الْبَحْرِينِ، أَوْ قِنَّسْرِينَ، فَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ لِيَخْتَارَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ خَيْرَ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَحْفَظَهَا مِنَ الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ، وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. (وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ) : أَيْ: بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ (مَا خَرَجْتُ) : وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَهُوَ الضَّرُورَةُ الدِّينِيَّةُ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةُ، وَلِذَا قِيلَ: الدُّخُولُ فِيهَا سَعَادَةٌ، وَالْخُرُوجُ مِنْهَا شَقَاوَةٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَغَيْرُهُمَا وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ فَضَعِيفٌ ; بَلْ مُنْكَرٌ وَأَنَّهُ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى زَمَانِهِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ فِي حَضْرَتِهِ، وَمُلَازِمَةِ خِدْمَتِهِ لِأَنَّ شَرَفَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِذَاتِهِ، بَلْ بِوُجُودِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ، وَنُزُولِهِ مَعَ بَرَكَاتِهِ، وَنَاهِيكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبُقْعَتَيْنِ أَنَّ السَّفَرَ إِلَى مَكَّةَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَى الْمَدِينَةِ سُنَّةٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَيْضًا نَفْسُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ مَكَّةَ اتِّفَاقًا، إِذَا لَا تَضَاعُفَ فِيهِ أَصْلًا، بَلِ الْمُضَاعَفَةُ فِي الْمَسْجِدَيْنِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: " «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» ". وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ: صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَعَدَمِهَا، فَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ اسْتِحْبَابًا إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْذُورِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى كَرَاهَتِهَا، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ هِجْرَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: مَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا عَلَى الْحَجِّ وَالرُّجُوعِ، وَهُوَ أَيِ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ، وَهَذَا أَيِ: الثَّانِي أَحْوَطُ لِمَا فِي خِلَافِهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ عَلَى الْخَطَرِ، إِذْ طَبْعُ الْإِنْسَانِ التَّبَرُّمُ وَالْمَلَلُ مِنْ تَوَارُدِ مَا خَالَفَ هَوَاهُ فِي الْمَعِيشَةِ، وَزِيَادَةُ الِانْبِسَاطِ الْمُخِلِّ بِمَا يَجِبُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute