للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٢٧٢٦ - عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعُدُوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَدٍ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا. فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالُ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ! أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: الْخَرْبَةُ: الْخِيَانَةُ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٢٧٢٦ - (وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعُدُوِيِّ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ (أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) أَيِ: ابْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ الْقُرَشِيِّ، كَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ نَائِبًا عَنِ ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْخَلِيفَةِ بِالْحَقِّ فِي مَكَّةَ وَأَعْمَالِهَا وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا لَا الشَّامَ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا (وَهُوَ) : أَيْ: عَمْرُو (يَبْعَثُ الْبُعُوثَ) : أَيْ: يُرْسِلُ الْجُيُوشَ (إِلَى مَكَّةَ) وَالْبَعْثُ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْجُنْدِ يُرْسِلُهَا الْأَمِيرُ إِلَى قِتَالِ فِرْقَةٍ وَفَتْحِ بِلَادٍ. (ائْذَنْ لِي) : بِفَتْحِ الذَّالِ وَتُبَدَّلُ هَمْزَتُهُ الثَّانِيَةُ بِالْيَاءِ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْإِذْنِ. بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ (أَيُّهَا الْأَمِيرُ! أُحَدِّثْكَ) : بِالْجَزْمِ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ (قَوْلًا) : أَيْ: حَدِيثًا (قَامَ بِهِ) : أَيْ: بِذَلِكَ الْقَوْلِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ خَطِيبًا، وَالْمَعْنَى حَدَّثَ بِهِ (الْغَدَ) أَيِ: الْيَوْمَ الثَّانِي (مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ) : بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِهَا (وَوَعَاهُ قَلْبِي) ، أَيْ: حَفِظَهُ (وَأَبْصَرَتْهُ) : أَيْ: قَائِلَهُ (عَيْنَايَ) : فِيهِ تَأْكِيدَاتٌ لَا تَخْفَى (حِينَ تَكَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ) : جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ أَيْ: شَكَرَ اللَّهَ شُكْرًا جَزِيلًا (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) ، أَيْ: ثَنَاءً جَمِيلًا (ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ) : أَنْ جَعَلَهَا مُحَرَّمَةً مُعَظَّمَةً وَأَهْلُهَا تَبَعٌ لَهَا فِي الْحُرْمَةِ (وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) ، أَيْ: مِنْ عِنْدِهِمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَرَّمَهَا إِبْرَاهِيمُ بِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - (فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأُخَرِ) : اكْتَفَى بِطُرُقَيِ الْمُؤْمِنِ بِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ (أَنْ يَسْفِكَ) : أَيْ: يَسْكُبَ (بِهَا دَمًا) أَيْ: بِالْجُرْحِ وَالْقَتْلِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ دَمًا مُهْدَرًا وَفْقُ قَوَاعِدِنَا، وَإِلَّا فَالدَّمُ الْمَعْصُومُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ فِي حُرْمَةِ سَفْكِهِ (وَلَا يَعْضِدَ) : بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا أَيْ: وَلَا يَقْطَعَ (بِهَا شَجَرَةً) ، وَفِي مَعْنَاهَا النَّبَاتُ وَالْحَشِيشُ (لِأَنْ) : شَرْطِيَّةٌ (أَحَدٌ) : فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا يُفَسِّرُهُ (تَرَخَّصَ) : نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: ٦] وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] ، (بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (فِيهَا. فَقُولُوا: لَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ) : أَيْ: أَجَازَ (لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ) . وَبِهِ تَمَّ جَوَابُ الْمُتَرَخِّصِ ثُمَّ ابْتَدَأَ عَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) : الْتِفَاتٌ فِي الْكَلَامِ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ حَجَرٍ فَتَدَبَّرْ (وَقَدْ عَادَتْ) : أَيْ: رَجَعَتْ (حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ) : أَيْ: يَوْمَ الْخُطْبَةِ الْمَذْكُورَةِ (كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ) : أَيْ: مَا عَدَا تِلْكَ السَّاعَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْسِ الزَّمَنُ الْمَاضِي (وَلْيُبْلِّغِ) : بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (الشَّاهِدُ) : أَيِ: الْحَاضِرُ (الْغَائِبَ " فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟) : مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (قَالَ) : أَيْ: أَبُو شُرَيْحٍ (قَالَ) : أَيْ: عَمْرٌو (أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ) . أَيِ الْحَدِيثَ أَوِ الْحُكْمَ (مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النِّدَاءُ تَتِمَّةً: لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ (إِنَّ الْحَرَمَ) : أَيْ مَكَّةَ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ (لَا يُعِيذُ) : أَيْ: لَا يُجِيرُ (عَاصِيًا) : أَيْ: بِنَحْوِ الْخُرُوجِ عَلَى الْخَلِيفَةِ، زَعْمًا مِنْهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ هُوَ الْخَلِيفَةُ بِحَقٍّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بَاطِلٌ (وَلَا فَارًّا) : أَيْ: هَارِبًا (بِدَمٍ) ، أَيْ قَتْلٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِمُجَرَّدِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْحَرَمِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِجَاءِ، فَإِنَّهُ يَطْلُبُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُبَاعُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، لِيَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ مُضْطَرًّا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ، فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ فِيهِ دَلِيلًا لِمَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنْ فِي الْحَرَمِ مَا لَزِمَهُ مِنْ قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ، عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَنْصِبِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْعَدْلِ إِجْمَاعًا، فَكَيْفَ بِالظَّالِمِ اتِّفَاقًا (وَلَا فَارًّا) أَيْ شَارِدًا (بِخَرْبَةٍ) . بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَقَدْ يُقَالُ بِضَمِّ الْخَاءِ أَيْ بِجِنَايَةٍ وَأَصْلُهَا سَرِقَةُ الْإِبِلِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ: الْخَرْبَةُ: الْجِنَايَةُ) . وَفِي نُسْخَةٍ: الْخِيَانَةُ ضِدَّ الْأَمَانَةِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: عِنْدَ الْخَرْبَةِ الْبَلِيَّةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>