٢٧٣٢ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلَفٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٢٧٣٢ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ) : أَيِ الْخِدْرِيِّ (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنْ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا (فَجَعَلَهَا حَرَامًا) ، أَيْ بَيَّنَهَا وَعَيَّنَهَا بَعْدَ انْدِرَاسِهَا (وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ إِمَّا " لِحَرَّمْتُ " عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ، أَوْ عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ أَيْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ: حَرَّمْتُ فَحُرِّمَتْ (مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ الْعَكْسُ، وَالْمَأْزِمُ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَيُبَدَّلُ وَبِكَسْرِ الزَّايِ، الْمَوْضِعُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجِبَالِ، حَيْثُ يَلْتَقِي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَتَّسِعُ مَا وَرَاءَهُ، وَالْمُرَادُ مَا بَيْنَ جَانِبَيِ الْمَدِينَةِ وَطَرَفَيْهَا (أَنْ لَا يُهَرَاقَ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ بِأَنْ لَا يُرَاقَ (فِيهَا دَمٌ) ، لِأَنَّ إِرَاقَةَ دَمِ الْمُسْلِمِ فِيهَا أَقْبَحُ مِنْ غَيْرِهَا. قِيلَ: إِنَّهُ مَفْعُولُ حَرَّمْتُ عَلَى زِيَادَةِ لَا مِثْلَ: فَلَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْكِتَابِ) أَيْ لِكَيْ يَعْلَمَ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ: لِئَلَّا يُهْرَاقَ أَوْ يَكُونُ تَفْسِيرًا لِمَا حُرِّمَ أَيْ: هُوَ أَنْ لَا يُسْفَكَ بِهَا دَمٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ نَهْيِ إِرَاقَةِ الدَّمِ النَّهْيُ عَنِ الْقِتَالِ الْمُفْضِي إِلَى إِرَاقَةِ الدَّمِ، لِأَنَّ إِرَاقَةَ الدَّمِ، الْحَرَامِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْمُبَاحُ مِنْهُ لَمْ نَجِدْ فِيهِ اخْتِلَافًا يُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ، وَقِيلَ: لَا يُسْفَكُ دَمٌ ; حَرَامٌ لِأَنَّ سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. ( «وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ» ) : هَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِي ; لِأَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ (وَلَا تُخْبَطَ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ أَيْ لَا تُقْطَعُ (فِيهَا شَجَرَةٌ) : وَقِيلَ: لَا تُضْرَبُ لِيَسْقُطَ أَوْرَاقُهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: (إِلَّا لِعَلَفٍ) : بِتَحْرِيكِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا.
فِي النِّهَايَةِ: بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَصْدَرُ عَلَفْتُ عَلَفًا، وَبِالْفَتْحِ اسْمُ الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ لِلْعَلَفِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ، صَاحِبُ شَرْحِ مُسْلِمٍ، أَوَّلُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ» "، أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْرِيمَ التَّعْظِيمِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَرَمِ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute