للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٧٦٠ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ !» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٢٧٦٠ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ) : أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ، وَمُتَّصِفٌ بِالْكِمَالَاتِ مِنَ النُّعُوتِ (لَا يَقْبَلُ) : أَيْ: مِنَ الصَّدَقَاتِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ (إِلَّا طَيَّبًا) : أَيْ: مُنَزَّهًا عَنِ الْعُيُوبِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: الطَّيِّبُ ضِدُّ الْخَبِيثِ، فَإِذَا وُصِفَ بِهِ - تَعَالَى - أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ، مُقَدَّسٌ عَنِ الْآفَاتِ، وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْعَبْدُ مُطْلَقًا أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْمُتَعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ، وَقَبَائِحِ الْأَعْمَالِ، وَالْمُتَحَلِّي بِأَضْدَادِ ذَلِكَ، وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْأَمْوَالُ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ حَلَالًا مِنْ خِيَارِ الْأَمْوَالِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ الْعُيُوبِ، فَلَا يُقْبَلُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ خِيَارُ أَمْوَالِكُمُ الْحَلَالِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] (وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ) : " مَا " مَوْصُولَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَكْلُ الْحَلَالِ وَتَحْسِينُ الْأَمْوَالِ (فَقَالَ) : ابْتِدَاءٌ بِمَا خَتَمَ بِهِ رِعَايَةً لِتَقَدُّمِ الْمُرْسَلِينَ وَتَقَدُّمُهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وُجُودًا وَرُتْبَةً {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] : آخِرُهُ {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: ٥١] وَهَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَا عَلَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، بَلْ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ خُوطِبَ بِهِ فِي زَمَانِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّدَاءُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ لِخُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ عِنْدَهُ صَبَاحٌ وَلَا مَسَاءٌ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إِبَاحَةَ الطَّيِّبَاتِ شَرْعٌ قَدِيمٌ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الرَّهْبَانِيَّةِ فِي رَفْضِهِمُ اللَّذَّاتِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ مُوَرِّثٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. (وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا} [البقرة: ١٧٢] : الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ أَوْ لِلْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ لِلنَّدْبِ كَمُوَافَقَةِ الضَّيْفِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] : أَيْ: حَلَالَاتِهِ أَوْ مُسْتَلَذَّاتِهِ وَتَتِمَّتِهِ: {وَاشْكُرُوا لِلَّهَ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>