١٧٧ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ «أَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنْ يَهُودَ تُعْجِبُنَا، أَفْتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟ فَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ ! لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ (شُعَبِ الْإِيمَانِ)
ــ
١٧٧ - (وَعَنْ جَابِرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ) أَيْ: عُمَرُ (إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ) أَيْ: حِكَايَاتٍ وَمَوَاعِظَ (مِنْ يَهُودَ) : قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْأَصْلُ فِي (يَهُودَ) وَ (مَجُوسَ) تَرْكُ اللَّامِ لِأَنَّهُمَا عَلَمَانِ لِقَوْمَيْنِ، وَمَنْ عَرَفَ فَإِنَّهُ أَجْرَى يَهُودِيًّا وَيَهُودَ مَجْرَى شَعِيرَةٍ وَشَعِيرٍ اهـ.
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يَهُودُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْقَبَائِلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَأْنِيثٌ لَفْظِيٌّ يَجُوزُ صَرْفُهَا حَمْلًا عَلَى الْحَيِّ وَعَدَمُ صَرْفِهَا حَمْلًا عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَيَهُودُ لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا عَدَمُ الصَّرْفِ (تُعْجِبُنَا) : بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: تَحْسُنُ عِنْدَنَا وَتَمِيلُ قُلُوبُنَا إِلَيْهَا (أَفَتَرَى) : بِفَتْحِ التَّاءِ، أَيْ: أَتُحَسِّنُ لَنَا اسْتِمَاعَهَا فَتَرَى يَعْنِي فَتَأْذَنُ (أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟ فَقَالَ) : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَجْرًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ (أَمُتَهَوِّكُونَ) أَيْ: أَمُتَحَيِّرُونَ فِي دِينِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِكُمْ وَنَبِيِّكُمْ (أَنْتُمْ) : لِلتَّأْكِيدِ (كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ !) أَيْ: كَتَحَيُّرِهِمْ حَيْثُ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ أَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ (لَقَدْ جِئْتُكُمْ) : جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ (بِهَا) أَيْ: بِالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ بِقَرِينَةِ الْكَلَامِ (بَيْضَاءَ) أَيْ: وَاضِحَةً، حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ " بِهَا " (نَقِيَّةً) : صِفَةُ بَيْضَاءَ، أَيْ: ظَاهِرَةٌ صَافِيَةٌ خَالِصَةٌ خَالِيَةٌ عَنِ الشِّرْكِ وَالشُّبْهَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا أَنَّهَا مَصُونَةٌ عَنِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ خَافِيَةٌ عَنِ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، لِأَنَّ فِي دِينِ الْيَهُودِ (إِخْرَاجُ رُبُعِ مَالِهِمْ زَكَاةً، وَقَطْعُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ بَدَلًا عَنِ الْغَسْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَتَحَتُّمِ الْقِصَاصِ فِي دِينِ الْيَهُودِ، وَتَحَتُّمِ الدِّيَةِ فِي دِينِ النَّصَارَى، وَأَخَّرَ (نَقِيَّةً) لِأَنَّهَا صِفَةُ (بَيْضَاءَ) إِذْ يُقَالُ: أَبْيَضُ نَقِيٌّ دُونَ الْعَكْسِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ حَالَانِ مُتَرَادِفَانِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُفَسَّرِ بِالْمِلَّةِ اهـ.
قِيلَ: وَوَصَفَ الْمِلَّةَ بِالْبَيَاضِ تَنْبِيهًا عَلَى كَرَمِهَا وَفَضْلِهَا، وَكَرَمُهَا إِفَادَتُهَا كُلَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَمَّا كَانَ أَفْضَلَ لَوْنٍ عِنْدَ الْعَرَبِ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْكَرَمِ وَالْفَضْلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ أَتَاهُمْ بِالْأَعْلَى وَالْأَفْضَلِ، وَاسْتِبْدَالُ الْأَدْنَى عَنْهُ مَظِنَّةٌ لِلتَّحَيُّرِ (وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ) أَيْ: مَا جَازَ لَهُ (إِلَّا اتِّبَاعِي) : فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا فَائِدَةً مِنْ قَوْمِهِ مَعَ وُجُودِي. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا، آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَلَئِنْ بُعِثَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيَنْصُرُنَّهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ، فَيَكُونُ التَّنْكِيرُ فِي " رَسُولٍ " لِلتَّعْظِيمِ فَهُوَ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ الرُّسُلِ، وَلِذَا قَالَ: «آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ) ، أَيْ: فِي مُسْنَدِهِ (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) . قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحَدِيثُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ حَرَامٌ، وَعَنْ مُجَالِدٍ تَجَالُدٌ، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ رِيَاحٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ مُجَالِدٍ حُلْمٌ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ جَاءَ عَنْ غَيْرِ مُجَالِدٍ فَتَأَيَّدَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute