١٧٨ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ) . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَكَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟ قَالَ: (وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
١٧٨ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا أَيْ: مَنْ كَانَ قُوتُهُ حَلَالًا، وَلَمْ يَقُلْ حَلَالًا، لِأَنَّ الطَّيِّبَ مَا يَفُوحُ عَنْهُ رِيحُ الْوَرِعِ أَخْذًا مِنَ الطَّيِّبِ، فَمَا اكْتُسِبَ عَلَى وَجْهٍ، تَعَلَّقَ بِسَوَابِقِهِ أَوْ قَرَائِنِهِ أَوْ لَوَاحِقِهِ مَعْصِيَةٌ - لَمْ يَكُنْ طَيِّبًا (وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ) أَيْ: فِي مُوَافَقَةِ سُنَّةٍ وَرَدَتْ فِيهِ، أَيْ: وَعَمِلَ كُلَّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ، يَعْنِي: وَيَكُونُ مُتَمَسِّكًا فِي كُلِّ عَمَلٍ بِسُنَّةٍ، أَيْ: بِحَدِيثٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ حَتَّى قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى، فَالْمُرَادُ شُمُولُ كُلِّ سُنَّةٍ لَا وَاحِدَةٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهَا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي مُوَافَقَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعَ أُخْتَيْهَا مِمَّا يُوجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَقُدِّمَ أَكْلُ الْحَلَالِ لِأَنَّهُ مُوَرِّثٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] (وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ) : الْبَائِقَةُ: الدَّاهِيَةُ وَهِيَ الْمِحْنَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الشُّرُورُ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْبَوَائِقُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَرُوِيَ: ظُلْمُهُ وَغِشُّهُ (دَخَلَ الْجَنَّةَ) : أَيِ: اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا) : أَيِ: الرَّجُلُ الْمَوْصُوفُ الْمَذْكُورُ (الْيَوْمَ) : ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ لِخَبَرِ " إِنَّ " (لَكَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟) : بِحَمْدِ اللَّهِ، فَمَا حَالُ الْمُسْتَقْبَلِ؟ (قَالَ) : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَسَيَكُونُ) أَيْ هُمْ كَثِيرُونَ الْيَوْمَ وَسَيُوجَدُ مَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (فِي قُرُونٍ بَعْدِي) .
فِي الْأَزْهَارِ: الْقَرْنُ أَهْلُ عَصْرٍ، وَقِيلَ: أَهْلُ كُلِّ مُدَّةٍ أَوْ طَبَقَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ سَنَةٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ. وَقِيلَ: مِائَةٌ اهـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَرْنَ هَاهُنَا أَهْلُ الْعَصْرِ، فَإِنَّ كُلَّ عَصْرٍ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ الصُّلَحَاءُ فِيهِمْ أَقَلَّ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمُ» " الْحَدِيثَ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيًا لِلِاسْتِعْجَابِ عَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. كَذَا قِيلَ، وَأَقُولُ: وَفِيهِ تَسْلِيَةٌ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ حَمْدًا لِلَّهِ وَتَحَدُّثًا بِنِعَمِهِ، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذَا الْقَرْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute