للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَرَى كَيْفَ قُوبِلَ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف: ٨] بِقَوْلِهِ {وَيَأْبَى اللَّهُ} [التوبة: ٣٢] وَأَوْقَعَهُ مَوْقِعَ لَمْ يُرِدْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِيهَا) أَيِ اشْتَرِيهَا (وَأَعْتِقِيهَا) ظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتِبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَجَوَابُهُ: أَنْ بَرِيرَةَ بِيعَتْ بِرِضَاهَا وَذَلِكَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ أَوْ أَنَّهَا عَجَزَتْ نَفْسُهَا عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ دُونَ الْمُكَاتَبِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا: فَأَعِينِينِي. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ مُقَدِّمَةِ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالُوا: يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَكِنْ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى النُّجُومَ إِلَى الْمُشْتَرِي عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْبَائِعِ الَّذِي كَاتَبَهُ. وَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ جَرَى بِرِضَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ عَاجِزَةً عَنِ الْأَدَاءِ فَلَعَلَّ السَّادَةَ عَجَّزُوهَا وَبَاعُوهَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ مَعَ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ، وَأَوَّلَ قَوْمٌ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَالضَّمِيرُ لِتِسْعِ أَوَاقٍ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْكِتَابَةُ وَبِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَكِ " وَيَرُدُّهُ عِتْقُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِيَّاهَا وَمَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي» " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا» وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ فَدَلِيلٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ النُّجُومِ لَا يَعُدُّهَا وَلَا يُؤَدِّيهَا وَإِنَّمَا يُعْطِي بَدَلَهَا وَأَمَا مُشْتَرِي الرَّقَبَةِ إِذَا اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ مَا انْعَقَدَتْ بِهِ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهُ يَعُدُّهُ، وَفَحْوَى الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّقَبَةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ شَرَطُوا الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ وَشَرْطُ الْوَلَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي إِجَابَتِهِمْ بِالشِّرَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَمْ يُقَرِّرِ الْعَقْدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى فَسَادِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ اخْتَلَفُوا فِي الشَّرْطِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَ لَانْفَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورَيْنِ قِيلَ مِنْهُمْ مَنْ أَلْغَاهُ كَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّرَ الْعَقْدَ وَأَنْفَذَهُ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَقَالَ " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنِ اعْتَقَ» " وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ لِمَا سَبَقَ مِنَ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَقَالُوا: مَا جَرَى الشَّرْطُ فِي بَيْعِ بَرِيرَةَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ طَمَعًا فِي وَلَاتِهَا جَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُعْتِقِ وَمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ قَالَ " خُذِيهَا وَاشْتَرِطِيهَا " زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا، وَالتَّارِكُونَ لَهَا كَابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُمَا أَكْثَرُ عَدَدًا أَوْ أَشَدُّ اعْتِبَارًا فَلَا تَسْمَعْ لِأَنَّ السَّهْوَ عَلَى وَاحِدٍ أَجْوَزُ مِنْهُ عَلَى جَمَاعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ يَجُوزُ فِي صِفَةِ الرَّسُولِ وَمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى النَّاسِ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرَ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى الْبَاطِلِ، وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَأَغْلَظُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَي هَذَا التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِمَالِ يَنْهَدِمُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ. (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ) أَيْ خَطِيبًا (فَحَمِدَ اللَّهَ) أَيْ عَلَى نِعَمِهِ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) أَيْ فِي كَرَمِهِ (ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ) فَصْلًا لِلْخِطَّابِ وَقَصْدًا لِلْعِتَابِ (فَمَا بَالُ رِجَالٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْفَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ بِلَا فَاءٍ. قَالَ الْمَالِكِيُّ أَمَّا حَرْفٌ قَائِمٌ مَقَامَ أَدَاةِ الشَّرْطِ وَالْفِعْلِ الَّذِي عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ يُقَدِّرُهَا النَّحْوِيُّونَ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ وَحَقُّ الْمُتَّصِلِ بِالْمُتَّصِلِ بِهَا أَنْ تَصْحَبَهُ الْفَاءُ نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} [فصلت: ١٥] وَلَا تُحْذَفُ هَذِهِ الْفَاءُ غَالِبًا إِلَّا فِي شِعْرٍ أَوْ مَعَ يَشْتَرِطُونَ قَوْلَ أَغْنَى عَنْهُ مَقُولَةً نَحْوَ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ» وَقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>