للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَائِشَةَ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا، فَقَدْ خُولِفَتِ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيُعْلَمُ بِالتَّحْقِيقِ عَدَمُ التَّضْيِيقِ وَأَنَّ مَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ أَوْ بِالصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنَ النَّثْرِ مُقَصِّرٌ فِي فَتْوَاهُ وَعَاجِزٌ عَنْ نُصْرَةِ دَعْوَاهُ. (يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ) أَيْ تِلْكَ الشُّرُوطِ (فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى وَفْقِ حُكْمِ كِتَابِهِ وَمُوجِبِ قَضَائِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ حُكْمُ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنَ ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمَكْتُوبُ أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْوَاشِمَةِ: مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ اسْتُدِلَّ عَلَى كَوْنِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] (مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ) مَا شَرْطِيَّةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَالْجَزَاءُ قَوْلُهُ (فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) إِنْ وَصْلِيَّةٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا مَفْهُومَ لِلْعَدَدِ. قَالَ الطَّيِبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَلَوْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَهُوَ مِنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُتْبَعُ بِهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ بِلَا جَزَاءٍ مُبَالَغَةً وَتَقْرِيرًا (فَقَضَاءُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمُهُ (أَحَقُّ) أَيْ بِالِاتِّبَاعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفَاءُ فِيهِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَلَفْظُ الْقَضَاءِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ " لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ " قَضَاؤُهُ وَحُكْمُهُ (وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ) أَيْ بِالْعَمَلِ بِهِ يُرِيدُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَظْهَرُهُ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ، فَانْدَفَعَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ بُطْلَانِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ بِإِرَدَاةِ اللَّامِ لِلْجِنْسِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي هَذَا الشَّرْطِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْبَيْعَ وَكَيْفَ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْخِدَاعِ وَالتَّغْرِيرِ أَمْ كَيْفَ أَذِنَ لِأَهْلِهِ مَا لَا يَصِحُّ؟ وَلِهَذَا الْأَشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ " «وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» " وَقَالَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقِيلَ " لَهُمْ " بِمَعْنَى " عَلَيْهِمْ " كَمَا قَالَ تَعَالَي {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: ٢٥] أَيْ عَلَيْهِمْ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِرَاطَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قَضِيَّةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاحْتَمَلَ هَذَا الْأُذُنُ وَإِبْطَالُهُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْخَاصَّةَ وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا. قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي قَطْعِ عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَزَجْرِهِمْ عَلَى مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِنَسْخِهِ وَجَعْلِهِ عُمْرَةً لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوَهُ أَقْسَامٌ مِنْهَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ بِأَنَّ شَرْطَ تَسْلِيمِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي أَوْ تَبْقِيَةَ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ إِلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ، وَمِنْهَا شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَتَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَاشْتِرَاطِ التَّضْمِينِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَانَ شَرْطَانِ جَائِزَانِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِلَا خَوْفٍ، وَمِنْهَا اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ تَرْغِيبًا فِي الْعِتْقِ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>