(١١) بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٢٩٣٨ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(١١) : بَابُ الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْغَرِيبِ قَدْ تُخَفَّفُ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: " قِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْعَارِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْا طَلَبَهَا عَارًا وَعَيْبًا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّمَا أَنْفُسُنَا عَارِيَةٌ ... وَالْعَوَارِي قِصَارُهَا أَنْ تَرُدَّ
وَالْعَارِي: مِثْلُ الْعَارِيَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مِنَ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّدَاوُلُ وَلَمْ يَبْعُدْ.
٢٩٣٨ - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) : أَيِ: الْعَدَوِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ طَلْحَةَ يَطْلُبَانِ خَبَرَ عِيرِ قُرَيْشٍ، وَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمًا، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ أُخْتُ عُمَرَ تَحْتَهُ، وَبِسَبَبِهَا كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ، مَاتَ بِالْعَقِيقِ، فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا) : أَيْ: قَدْرَهُ وَالْمُرَادُ شَيْئًا (مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا) : مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ: أَخْذَ ظُلْمٍ (فَإِنَّهُ) : أَيِ: الشِّبْرُ مِنَ الْأَرْضِ (يُطَوَّقُهُ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُجْعَلُ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ، فَفِي كَشْفِ الْكَشَّافِ: الْأَرَضِينَ بِالتَّحْرِيكِ لِأَنَّ قِيَاسَهُ أَرَضَاتٌ كَثَمَرَاتٍ، فَلَمَّا عُوِّضَ مِنْهُ الْوَاوُ وَالنُّونُ أَبْقَوْا فَتْحَةَ الرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ قَالَ النَّوَوِيُّ: " قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَرْضَ سَبْعُ طِبَاقٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْأَقَالِيمُ، خِلَافُ الظَّاهِرِ إِذَا لَمْ يُطَوَّقُ مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا مَنْ كُلِّ إِقْلِيمٍ بِخِلَافِ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِهَذَا الشِّبْرِ فِي الْمِلْكِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُعَضِّدُهُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ، كَلَّفَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " مَعْنَى التَّطْوِيقِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَتَصِيرُ الْبُقْعَةُ الْمَغْصُوبَةُ مِنْهَا فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ، وَقِيلَ: " هُوَ أَنْ يُطَوَّقَ حَمْلَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ: يُكَلَّفُ، فَيَكُونُ مِنْ طَوْقِ التَّكْلِيفِ لَا مَنْ طَوْقِ التَّقْلِيدِ لِمَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» " اهـ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَحْمَدَ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ يُفْعَلُ بِهِ جَمِيعُ ذَلِكَ أَوْ يَخْتَلِفُ الْعَذَابُ شِدَّةً وَضَعْفًا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ مِنَ الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute