فَحَمِدَ اللَّهَ) أَيْ: بِالشُّكْرِ الْجَزِيلِ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) أَيْ: بِالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فُلَانًا) : كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِهِ وَلَعَلَّ التَّصْرِيحَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّتِهِ (أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَةً فَعَوَّضْتُهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ فَظَلَّ) أَيْ: أَصْبَحَ أَوْ صَارَ (سَاخِطًا، لَقَدْ هَمَمْتُ) : جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَصَدْتُ (أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً) أَيْ: مِنْ أَحَدٍ (إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ) : نِسْبَةً إِلَى قُرَيْشٍ بِحَذْفِ الزَّوَائِدِ (أَوْ أَنْصَارِيٍّ) أَيْ: مَنْسُوبٍ إِلَى قَوْمٍ مُسَمًّى بِالْأَنْصَارِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (أَوْ ثَقَفِيٍّ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْقَافِ نِسْبَةً إِلَى ثَقِيفٍ قَبِيلَةٍ مَشْهُورَةٍ (أَوْ دَوْسِيٍّ) : بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ نِسْبَةً إِلَى دَوْسٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَزَدِ أَيْ: إِلَّا مِنْ قَوْمٍ فِي طَبَائِعِهِمُ الْكَرَمُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " كَرِهَ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَيْهَا طَلَبَ الِاسْتِكْثَارِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِمَا عُرِفَ فِيهِمْ مِنْ سَخَاوَةِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْأَعْوَاضِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ مِنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَأَخَسِّهَا وَلِذَلِكَ عَرَّضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَبَائِلِ وَحُسْنِ أَخْلَاقِهَا إِنَّ قَبِيلَةَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ عَلَى خِلَافِهَا، وَنَهَى اللَّهُ حَبِيبَهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] الْكَشَّافِ، أَيْ: لَا تُعْطِ طَالِبًا لِلتَّكْثِيرِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِعْرَارِ وَهُوَ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَتَعَوَّضَ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَكْثَرَ مِنَ الْمَوْهُوبِ وَهَذَا جَائِزٌ وَمِنْهُ الْمُسْتَعْرِرُ ثِيَابَ مَنْ وَهَبْتَهُ وَهَذَا النَّهْيُ إِمَّا نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ مُخْتَصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَهْيُ تَنْزِيهٍ فَلَهُ وَلِأُمَّتِهِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: " اخْتَلَفُوا فِي الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الثَّوَابُ فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ النَّاسَ فِي طَيِّبَاتٍ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: هِبَةُ الرَّجُلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَهُوَ إِكْرَامٌ وَإِلْطَافٌ لَا يَقْتَضِي الثَّوَابَ وَكَذَلِكَ هِبَةُ النَّظِيرِ مِنَ النَّظِيرِ، وَأَمَّا هِبَةُ الْأَدْنَى مِنَ الْأَعْلَى فَتَقْتَضِي الثَّوَابَ لِأَنَّ الْمُعْطِي يَقْصِدُ بِهِ الرِّفْدَ وَالثَّوَابَ ثُمَّ قُدِّرَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقِيلَ: قَدْرُ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ وَقِيلَ: حَتَّى يَرْضَى الْوَاهِبُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ سَوَاءٌ وَهَبَ لِنَظِيرِهِ أَوْ لِمَنْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ الثَّوَابَ فَإِذَا لَمْ يُثِبْ كَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute